الملك الحقيقي أن تكون عبداً لله، والذلة والخسران والخذلان أن تكون عبداً للشيطان وللشهوات، أعظم عقوبة يُعاقب الله بها المخذول أن يصرفه عن الدين، وأن يتركه عبداً لشيطانه والعياذ بالله.
ومن لم يعرف قدر هذه النعمة وبدلها، أي: جاءته نعمة الدين وذاقه وإذا به يتركه، فقد توعده الله بالعذاب الشديد، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:211] كيف تبدل نعمة الله عز وجل؟! كيف تنصرف وتنحرف؟! كيف تحور؟! كيف ترجع بعد أن ذقت هذا وسرت في الطريق الصحيح؟! هذه مصيبة.
ولهذا يقول عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3].
فمن أعظم العقوبات لمن سار في الطريق ثم رجع عنها أن يطبع الله على قلبه، فإذا طُبع -أي: ختم وقفل- فلا يفقه حتى لو أتيت تذكره بعد ذلك، تقول: اتق الله -يا أخي- أنت وأنت لا يفقه ولا يفهم شيئاً، منكوس مقفول مطمور مقبور في جسده، مقبور في الأرض، كأنك تكلم ميتاً: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3] لمَ طبع على قلوبهم؟ لأنهم رجعوا بعد أن ساروا، وآمنوا بعد أن كفروا.
فيا إخواني في الله! علينا أن نحمد الله، وأن ننظر إلى من لا يشاركنا في طريق الإيمان نظرة الحنان والعطف والشفقة عليهم، فنرحمهم ونمد حبال النجاة لهم لعل الله أن ينقذهم بسببنا، أما أن نراهم وهم يتردون ويهلكون ثم ننظر إليهم بعين الإكبار، وننظر إلى أنفسنا بعين الاحتقار فقد حقرنا نعمة الله، ولهذا جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (من أوتي القرآن -أي: الدين- ثم رأى أن غيره أفضل منه؛ فقد عظم ما حقر الله، وازدرى نعمة الله) من أوتي القرآن وأوتي الإيمان والدين، ثم رأى أن غيره أفضل منه؛ فقد حقر شيئاً عظمه الله وازدرى نعمة الله تبارك وتعالى.