أيها الإخوة في الله! من أعظم ما يَمن الله به على الإنسان: نعمة الإيمان، والطاعة والهداية، والتوجه الصحيح إلى الله، وقد منّ الله بهذه النعمة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين، فأما على النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ فيقول الله له: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح:1 - 2] أي: نعمة الدين.
ويقول في سياق مَنّ هذه النعمة على الناس وتذكيرهم بها: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] ويقول في سورة الحجرات: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} [الحجرات:7] هذا الخطاب موجه للصحابة ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن غاب عنا بشخصه فإنه لن يغيب عنا بهديه ومنهجه وسنته، وما من شيء إلا وقد بينه لهذه الأمة، إما خيراً فدلها عليه أو شراً فحذرها منه، وقال: (تركتكم على المحجة البيضاء -ما تركنا في متاهات، ولا أمام معميات، وإنما وضع أقدامنا على الصراط، ودلنا على المحجة البيضاء- ليلها كنهارها -ليس فيها غبش ولا سواد- لا يزيغ عنها إلا هالك) كشخص لا يريد أن يمشي فهذا لابد أن يزيغ، أما شخص يريد الطريق الصحيح، فهي واضحة مثل وضوح الشمس في رابعة النهار، على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، يقول الله في معرض التذكير بالنعم: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7] ثم ذكرهم الله بنعمة وجود النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:7 - 8] هذه النعمة وهذا الفضل والفضل الحقيقي والنعمة الحقيقية أن يحبب الله إليك الإيمان، وأن يزينه في قلبك، فينشرح صدرك له، وتحبه فتموت في سبيله، لا تستطيع أن تعيش إلا بالإيمان، فلو فارقك الإيمان لحظة واحدة لمتَّ، كالسمكة؛ لو فارقت الماء لحظة لماتت، لا يمكن أن تعيش إلا في بحبوحة الإيمان؛ لأن الله حببه إليك، وأيضاً زينه في قلبك، فزين لك الإيمان فلا تر حلية أعظم من حُلي الإيمان، وزين لك لباس الإيمان فلا تر لباساً أعظم من لباس الإيمان، وزين لك كنز الإيمان فلا تر كنزاً أثمن منه، حين يكنز الناس المال والذهب، وحينما يتزين الناس بالحلي والملابس وتتزين أنت بالإيمان:
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً ولو كان كاسيا
فخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً
وحق كل نعمة أن تُشكر، يقول الناظم:
وحق كل نعمة أن تشكرا حتى يزيد ربنا ويكثرا