إن ما نلاحظه في زماننا هذا، وفي كل زمان من التمزق الأُسَري، ومن الفشل العائلي، ومن تشرد الأبناء والبنات، وضياعهم، وإهمالهم، حتى يقضوا حياتهم في غاية البؤس والضياع والفشل والسقوط، وما نشاهده هو نتيجة لجهل الأبوين، وهما قطبا الأسرة، مع نوع من الأفضلية، فالأب: هو المدير العام لشركة الأسرة، والأم: هي نائبة للمدير العام، والأولاد والبنات: هم العاملون في هذه الشركة، والله عز وجل يقول في مسئولية الأسرة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ويقول في قضية الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] ثم قال: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228].
لا تعني هذه الدرجة بأنها أفضلية، وإنما درجة مسئولية، ولا يعني في أي إدارة أنك إذا وجدتً مديراً ونائبه، أن المدير أفضل من نائبه، فربما النائب في قدراته وإمكانياته ودينه أفضل من مائة مدير؛ لكن شاء الله أن يكون هذا مديراً، وهذا يكون نائباً للمدير، وكذلك شاء الله أن يكون مدير الأسرة هو الزوج، ونائبه هي الزوجة، ولا يمكن أن تتدخل في صلاحياته، هو الذي يضع لها صلاحيات، ويحدد لها واجبات على ضوء التكاليف الشرعية، والأوامر الربانية، فإذا جهل الأب وجهلت الأم بالطرق الشرعية لتربية أبنائهما، وأهملا هذا الأمر العظيم الذي هو من أوجب الواجبات باعتباره مسئولية كبيرة فسيواجهون السؤال عنها يوم الوقوف بين يدي الله؛ فيُسأل الإنسان عن أولاده، عن فلذة كبده، عن أمانته؛ أحفظها أم ضيعها؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فهذا الحديث إذا مر علينا فإنا نأخذه بمأخذ السطحية، لا نغوص في أعماق النص، ونعرف ما معنى المسئولية؟ المسئولية تعني: أن الإنسان مسئول وموقوف بين يدي الله، فيسألك الله عن ولدك هذا: لماذا لم تعلمه دين الله؟ لماذا لم تربه على منهج الله؟ لماذا لم تكن له قدوة؟ بعض الناس تكون عنده رغبة في أن يكون ولده صالحاً؛ لكن هو نفسه لم يأخذ نفسه بالصلاح، فيعكس عدم صلاحه على ولده، ويأتي ولده فاسداً، وعندما يُسأل يوم القيامة هل يقول: إنه بنفسه؟ لا.
ليس بنفسه، بل أنت الذي أفسدته بسلوكك، وبعدم التزامك فانعكست هذه الأخلاقيات والسلوكيات السلبية على ولدك، ولو كنت صالحاً لأصلح الله عز وجل ولدك.
ويقول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) وهذه الرعاية تقتضي الاهتمام بكل ما من شأنه المساس بمصلحة هذه الأسرة، في الكبير والصغير، والدقيق والجليل، في الدنيا والآخرة في الاجتماع في الاقتصاد في كل شئون الأسرة، مسئولة عنها، ولكنها تعني أول ما تعني: الاهتمام بالجانب المهم في حياة الأسرة، ألا وهو: جانب الإيمان جانب الدين جانب العقيدة والسلوك والأخلاق، ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم في تأمين الطعام والشراب، والكساء والسكن والسيارة، وتُهمل تلك الجوانب المهمة، فإن الأمة تنعكس وتنتكس وتتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، فكم وجدنا من أسر تعيش في قصور عالية، وتركب سيارات فارهة، وتلبس ملابس عظيمة، وتأكل الأصناف المتعددة؛ لكن الجهل يخيم على هذه الأسرة، والفُسق يسيطر عليها، والشقاق والنفاق -والعياذ بالله- والتمزق العائلي! لماذا؟ لغياب الشريعة، ولغياب دين الله عز وجل في الهيمنة، وكم رأينا أسراًَ تعيش في أكواخ، وتلبس أسمالاً بالية، وتأكل طعاماً ناشفاً، وتمشي على أقدام حافية، ولكن بالإيمان والدين تكون الرابطة بين الزوجين وبين الأولاد والبنات قوية، وتظللهم السعادة في الدنيا قبل السعادة في الآخرة.
ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم فقط في المأكل والمشرب فإن الأسر تتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، وتنتشر المشاكل والمآسي، وهو ما نلاحظه اليوم في كثير من المجتمعات في هذا الزمان.