أيها الإخوة! نحن الآن على أبواب شهر رمضان الكريم نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يبارك لنا في رجب وشعبان وأن يبلغنا رمضان، فلا ندري -أيها الإخوة- من يبلغ منا رمضان ومن يموت قبل رمضان.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ حتى عصى ربه في شهر شعبان
ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن
كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني
ومعجبٌ بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان
حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان
هذا الشهر الكريم: شهر الخير، والرحمة، والمغفرة، شهر القرآن، والتراويح، والعبادة، شهر يزاد فيه رزق المؤمن، شهرٌ كان صلى الله عليه وسلم فيه أجود من الريح، وكان أجود ما يكون في رمضان، هذا الشهر لنا إخوة في الإسلام في بلادنا هنا وفي خارج هذه البلاد مساكين وفقراء، طول زمانهم رمضان لا يوجد شيء لديهم، يلتحفون السماء، ويفترشون الأرض، يقتاتون قوتاً لا يسمى قوت بهائم، ولا علف المواشي الذي تأكله المواشي الآن، علف المواشي لدينا هو طعام رئيسي عند بعض الشعوب، وقد كان عندنا في يوم من الأيام طعاماً رئيسياً والشيوخ يعرفون أن الواحد منهم ما كان يشبع من خبز الشعير، والآن أصبح علف المواشي، ونحن في نعمة وفي فضل وفي خير، فقد منَّ الله علينا -يا إخواني- بنعم كثيرة: أمن، وعافية، ورخاء، وخير، ورزق رغد يأتينا من كل مكان، ورواتب، وهناك إمكان عند كل شخص منا أن يطعم أو يفطر أسرة من الأسر الجائعة في بلاد الله المنثورة في الأرض، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء) إذا فطرت صائماً لك مثل صيامه كله دون أن ينقص من أجره شيء، وكونك تدخل السرور على زوجتك وعلى أولادك مع بداية شهر رمضان فتستلم راتبك وتشتري مدخرات سنتك، فتوسع على أهلك حسن، ولكن أفضل منه أن توسع على أسرة فقيرة، على أسرة لا يدخل السرور عليها طوال العام إلا في هذا اليوم، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية قامت بمشروع اسمه مشروع إفطار الصائم، وفرع الهيئة في مكة تصدق على بلدين: البلد الأول بنجلادش ذات الكثافة السكانية الهائلة فعددهم مائة وخمسون مليوناً، خليج البلقان المغطى بالماء طول السنة، والكوارث فيه من تهدم المساكن وغيرها، ويعيشون في فقر وفي حاجة لا يعلمها إلا الله.
والبلد الثاني أوروبا الشرقية يعني: الاتحاد السوفيتي الذي انحل، وأصبحت ديار المسلمين هناك، يعيشون أيضاً في فقر من الشيوعية الحاقدة، وفي أيدينا -أيها الإخوان- فضول أموال، وبإمكاننا أن نساهم في مثل هذه المشاريع، حتى ندخل السرور على قلوبهم، وحتى نقدم بين يدي رمضان حسنة نرجو بها ما عند الله عز وجل، والمشروع المجهز يكفي لإفطار أسرة كاملة خلال ثلاثين يوماً بثلاثمائة ريال، بمقابل عشرة ريالات للأسرة يومياً مكونة من وجبتين: وجبة سحور، ووجبة إفطار وعشاء، وهذه الوجبة مكونة من نصف دجاجة، وكيلو من الأرز وكيلو دقيق، ومتطلباتها حسبت قيمتها أنها تصل إلى عشرة ريالات ولا تزيد، هذه العشرة الريالات ترفع رصيدك وتبقى لك عند الله، وأنت تصرف في رمضان أموالاً طائلة قد تثاب عليها وقد لا تثاب، خاصة إذا كان هناك مبالغة وإسراف وبذخ؛ لأن الناس الآن يستقبلون رمضان على أنه شهر الأكل، وشهر الموائد ويشترون الأطعمة بالكراتين، ويكدسون الأطعمة في السفر، ويأكلون منها القليل ويرمون بالكثير منه، بينما إخوانهم يموتون من الجوع، نقول: ثلاثمائة ريال تفطر بها أسرة، لا تخسر شيئاً بل ترفع رصيدك عند الله عز وجل، ولا تظن أن هذه الثلاثمائة سوف تكون خسارة عليك، يقول الله عز وجل: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39].
وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245].
ولحديث: (المرء تحت ظل نفقته يوم القيامة).
وقال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96].
ذبح صلى الله عليه وسلم ذبيحة ووضعها في بيته عند عائشة فأخرجتها كلها إلا كتف الشاة فلما رجع قال: (ما صنعت الشاة؟ قالت: ذهبت كلها إلا كتفها، قال: لا.
قولي: بقيت كلها إلا كتفها) أي: الكتف الذي سنأكله هو الذي ذهب، فالذي ذهب عند الله هو الذي يبقى.
وهناك قصة حدثت قبل سنين يحدثني بها رجل ثقة كان مسافراً في تهامة، وفي ليلة من ليالي سفره وكانت الليلة باردة مطيرة مظلمة، فهاجت الريح ونزلت الأمطار وضل الطريق، فدخل في غار من أجل أن ينام فيه ويرتاح، وبينما هو نائم في الغار إذ رأى قبراً، وإذا به يرى في القبر رجلاً وامرأة ومعهم بقرة يحلبونها ويشربون لبنها، غير أنه لاحظ أن هذه البقرة ليس عليها جلد، جلدها مسلوخ ودمها يخرج، وصاحب البقرة يحلب ويتأذى أنه ليس عليها جلد، لكن ماذا يصنع؟ يقول: فسألته: من أنت؟ ومن هذه؟ ولماذا هذه البقرة؟ ولماذا لا يوجد عليها جلد؟ قال: أنا رجل وهذه زوجتي، كنا في الحياة الدنيا في قريتنا، وحصلت مجاعة، وجاع الناس حتى كادوا يموتون من الجوع، وما كنا نملك شيئاً إلا هذه البقرة، فتشاروت أنا وزوجتي على أن نذبحها ونقسمها على الفقراء لوجه الله عز وجل، فوافقتني، يقول: فذبحناها وقسمناها على جميع الفقراء في تلك القرية، ولم يبق بيت إلا دخله شيء من لحمها، غير أننا أخذنا الجلد وبعناه، وما تصدقنا به، يقول: فلما مت أعطاني الله وأعطى زوجتي بدل بقرتنا بقرة في الجنة نحلبها، لكن لا يوجد عليها جلد، يقول: فأنا أتأسف على أنني ما تصدقت بالجلد حتى ألقاه في الجنة، فيا أخي إن الذي تتصدق به لا تظن أنه خسارة والله إنه هو الربح وهو الباقي.
على الأبواب صناديق لـ هيئة الإغاثة، وهذا خطاب من الدكتور أحمد بن نافع المورعي المشرف على هيئة الإغاثة بـ مكة المكرمة وقد أخبرني شخصياً عن هذا المشروع العظيم، وقد انتدب لهذا المشروع مجموعة من العلماء وطلبة العلم والصالحين، وسوف يسافرون بعد أيام قبل دخول رمضان حتى يرتبون عملية تقديم هذه الوجبة لتلك الأسر، ويدخل السرور، ويطلب من تلك الأسر الدعاء لأصحابها، وتصور -يا أخي- إذا أفطر هذا الرجل الفقير الذي لا يعرف العيش، عندما يفطر وزوجته وأولاده وقالوا: اللهم اغفر لصاحب هذا الفطور، أنت في مكة هنا وتأتيك الدعوات كل ليلة من أجل عشرة ريالات.
نطلب من إخواننا المساهمة في إفطار الصائم بثلاثمائة ريال، إن كانت موجودة عندك الآن فضعها، وإن كانت ليست موجودة فسارع هذه الليلة بوضعها في حساب الجماعة أو الهيئة أو في مقر الهيئة الموجود بجوار محطة التسهيلات، واحذر من أن تسوف إلى آخر الشهر، فإنك إذا سوفت غلبك الشيطان وجعلك تبخل في النفقة.
أسأل الله أن يعيننا وإياكم على الإنفاق في سبيله، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يدرك هذا الشهر وممن يقومه ويصومه، ويتقبل الله منا إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.