بعد ذلك الكلى معلقة في ظهر الإنسان وهي بمنزلة الصفايات، وهي التي تقوم بعملية تنقية الدم من السموم والأملاح والمواد الفاسدة، وإذا فشلت الكلية عند الإنسان استطاعت الكلية الأخرى أن تقوم بهذا الدور، وكان الناس في الماضي قبل المستشفيات إذا فشلت الكلى يموت، لأنه لا يستطيع أن يعيش بغير كلى، لكن في هذا الزمان بعد تقدم العلم والحمد الله استطاعوا اختراع جهاز في المستشفى يسمونه الكلية الصناعية، والكلية الصناعية دولاب كبير يقوم بدور الكلية الصغيرة، فهم يأتون بالإنسان الذي عنده فشل كلوي ويجرون له عملية، ويقومون بسحب الدم منه في ذلك اليوم الذي يريدون أن يعملوا له فيها غسيلاً، في كل ثمانية وأربعين ساعة يغسلون دمه مرة واحدة، يسحبون الدم كله ويرسلونه إلى المكينة -الكلية الصناعية- فتقوم بتصفيته وإعادته مصفى عبر ماسورة ثانية إلى جسده أربع ساعات، والإنسان مستلق على السرير، ملق يديه يشعر بتعب ومعاناة لا يعلمها إلا الله، من أجل أن الدم يسحب كله ويذهب إلى الكلية هذه وتصفيه، أتدرون كم تصفي هذه الكلية؟ تصفي ما نسبته من السموم والأملاح الموجودة فيه عشرة في المائة فقط! وتسعين في المائة موجود في الدم، لكنها تصفي عشرة في المائة التي فيها خطر على جسم الإنسان، والباقي تضر الإنسان على المدى البعيد لكنه لا تستطيع تصفيتها، وأنت ربي معلق لك صفايتين في ظهرك تصفي لك كل أمورك ولا تدري ولا تشكر الله عليها.
ولا يعرف نعمة الكلية إلا الذي ليس عنده كلى، يقول لي أحد الإخوة وقد أصيب بمرض فشل كلوي وجلس سنة وهو يعمل الغسيل هذا، والغسيل يكلف الدولة الغسلة الواحدة أكثر من ألف وخمسمائة ريال، لكن الآن في كل مستشفى كلية صناعية وأدوار تراهم بغير طوابير طالعين نازلين يغسلون بدون دفع أجرة، وهذا من فضل الله عز وجل.
وصاحب الكلية الصناعية يعاني ألماً لا يعلمه إلا الله؛ بل إن شكله يتغير، أحد الإخوة أعرفه قد تغير لونه من البياض إلى السواد، والله قابلته يوماً من الأيام فضحك لي على عادته، لكن أنا تعجبت: من هذا الذي يضحك لي وأنا لا أعرفه، إلى أن قربت وهو يضحك وإذا بي أعيد الذاكرة، عرفت ملامحه لكن اللون ليس لونه، تغير لونه كاملاً، قلت: فلان؟ قال: نعم، قال: ماذا فيك؟ وأنا خفت أن أقول: إنك تغيرت، فيصير في نفسه شيء من أجل المرض، قلت: يا أخي أنا من زمان لم أرك، فاشتبه عليَّ، فقعدت أسأله مالك؟ قال: الحمد لله أنا مصاب بالفشل الكلوي، وأجروا لي عملية، وأخذوا الكلى كلها، وأنا الآن أعمل غسيل كل ثمانية وأربعين ساعة، وقد تغير لونه، ولما سألت الدكتور بعدها، قال: إن المسام في الجلد تتعبأ وتتغير بفعل المواد التي لا تزال في الدم والتي لا تستطيع هذه الكلى الصناعية أن تصفيها، وأنت لا تشعر بهذه النعمة.
أحد الإخوة عمل عملية نقل كلية من أحد أقربائه والآن يعيش بدون غسيل، يعيش بكلية واحدة، ويقول لي: يا أخي! ما أعظم نعمة الله علينا في الكلى، لم يذكر نعمة العين ولا نعمة الأذن، لم يذكر إلا نعمة الكلى، يقول: الحمد لله، قلت: ماذا بك؟ قال: يا أخي! كنت في هم! أذهب مشوار كل يوم أطلع من مكة إلى جدة أغسل كل يوم، ولابد يكون معي مرافق؛ لأني لا أستطيع بعد الغسيل أن أقود السيارة فيرجعني هذا المرافق، كل ثمانية وأربعين ساعة يذهب ويأتي، يقول: راحت حياتي كلها طلعة ونزلة وغسيل، والآن الحمد لله فأنا أجلس في بيتي والكلية الصناعية معلقة في ظهري، قلت ومن قبل كنت تدري بها قال: والله ما شعرت بها إلا الآن.
هذه الكلية الصناعية يتصور بعض الناس الآن منا أو أنا كنت أفهم أن وجود الكلية الصناعية بمجرد أن توضع في جسم الإنسان تعمل مباشرةً، لا.
لا بد أن يتناول يومياً جرعة من الدواء يسمونها مقابل رفض الجسم للعضو الغريب؛ لأن الكلية هذه ليست للجسم هذا، هي غريبة عليه ومحتمل في ساعة من الساعات أن يقول الجسم: من الذي أتى بكِ هاهنا، يرفضها، ورفضها يعني لا يتعامل معها فيموت الإنسان، فماذا يعمل الأطباء؟! يعطونه جرعة يومياً من دواء معين مع قارورة يأخذها في جيبه باستمرار، قلت: ما هذه؟ قال: هذه ثمنها ألف ريال تكفيني شهراً واحداً، ألف ريال شهرياً يعني راتب شخص، قلت: من أين تستلمها؟ قال: أستلمها من المستشفى بالمجان، تصرفها الدولة -بارك الله فيها- للناس بالمجان الذين عندهم فشل كلوي، ويعيشون على هذا المضاد، ويتناول هذه الجرعة بنسب معينة، مرة يكثر ومرة يقلل، بحسب التحاليل، والتحاليل كل شهر حتى يروا هل الجسم راضٍ عنها؟ فيعطونه -إن كان غير راضٍ- زيادة في الجرعة حتى يرضى الجسم، ولكن لابد من هذه المادة، هذا نعمة يا أخي! تذكر نعمة الله عليك، الحمد الله الذي عافاني في جسدي.