كلام الشيخ عبد الرحمن السديس: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.
أما بعد: فإننا نحمد الله عز وجل ونشكره جل وعلا على عموم نعمه وآلائه، ومنها نعمة هذا اللقاء الطيب المبارك، في رحاب جامع الدعوة بحي العوالي، وهذا النشاط الذي يقام في هذا الجامع ويؤسفنا أن نقوم لأول مرة في هذا الجامع، لكنها بإذن الله فاتحة خير، فنشكر الله عز وجل على نعمة هذا اللقاء الطيب المبارك، ثم نشكر إخواننا في مركز الدعوة في مكة المكرمة نشاطهم الطيب في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وإقامة الندوات والمحاضرات المفيدة التي تتحسس مشاكل الناس، وتسعى إلى علاجها، فجزاهم الله خيراً، وضاعف مثوبتهم، وزاد من نشاطهم فيما يحبه ويرضاه، ثم نخص بالشكر أعضاء هذه الندوة المباركة، صاحب الفضيلة: الشيخ الدكتور جابر الطيب، وصاحب الفضيلة: الشيخ سعيد بن مسفر والأخ الشيخ حامد المصلح الذي أدار هذه الندوة، ولا شك أنها ندوة موفقة ومباركة، قد استمعنا جميعاً إلى كلامهم، وإلى بيانهم وبلاغهم وأدائهم، والحق أنهم قد أجادوا وأفادوا، فجزاهم الله خيراً، وبارك فيهم، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبعون أحسنه.
أيها الإخوة في الله! لا تعليق عندي على ما قاله أصحاب الفضيلة، لكنها رغبة في المشاركة في هذا اللقاء الطيب المبارك، لا سيما والمسجد مسجد حي، وقد حضرنا وأتينا لأداء الصلاة وسمعنا هذه الكلمات الطيبات من أصحاب الفضيلة بما لا مزيد عليه، لكن الحق أنه في كل مشكلة ينبغي أن يشخص الداء وأن يوصف الدواء، فإذا عرف الداء وتشخص استطاع الطبيب أن يذكر العلاج وأن يصفه، ثم لزم المريض أن يتابع هذا العلاج وأن يعمل به، وأن يستمر عليه وأن يتابعه، ليؤتي أكله وثماره حياة سليمة صحيحة، وهذه المشكلات الخاصة بالمشكلات الاجتماعية، ومشكلات الزواج والأسرة والطلاق، مشكلات أقضت مضاجع الأمة، وبحت فيها حناجر الغيورين والمصلحين، ولكنها مع شديد الأسف لا تزال تتضاعف في كثير من المجتمعات، وإن كان مجتمعنا -ولله الحمد والمنة- بحكم إسلامه وتمسك أفراده بشريعة ربهم تبارك وتعالى في الجملة، لا شك أنه خير المجتمعات بالنظر إلى هذه المشكلات، ولا شك أن المجتمع المسلم الذي ترفرف عليه رايات تطبيق شريعة الله عز وجل بقدر تمسكه يكون بعيداً عن المشكلات، وبقدر تساهله في تطبيق شرع الله عز وجل تتضاعف المشكلات، وتتعاظم المعضلات، ويصعب حلها.
أيها الإخوة في الله! الحكم على الشيء دائماً فرع عن تصوره، والمشكلات الاجتماعية فرع عن مشكلات كثيرة أصيبت بها الأمة، والمجتمعات، فتشخص الأسباب في كل مشكلة ومعضلة، ولقد أجاد أصحاب الفضيلة وأفادوا ولا حاجة إلى التكرار، ولو أن الأمة والأسرة والمجتمع بل وكل فرد من الأفراد طبق شرع الله عز وجل في خاصة نفسه لأراح واستراح ولم تحصل منه مشاكل، لا إلى نفسه ولا إلى بيته ولا إلى أسرته، متى ما أصلح الإنسان ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن ذلك أن يصلح الله أسرته، ويصلح أولاده، ويبارك له في داره وسكنه، وبقدر تقصيره يعاقب بمثل هذا الأمر، كما ذُكر عن بعض السلف أنه قال: إني لأعصي الله عز وجل فأرى ذلك في سلوك زوجتي ودابتي وخادمي، أو كما ورد.
فالحاصل أنه ينبغي أن يصلح الإنسان ما بينه وبين الله، وليعلم أن الله عز وجل هو المتكفل بصلاح حاله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] فينبغي علينا -أيها الإخوة -أن نحرص على تطبيق شرع الله عز وجل في خاصة أنفسنا وأولادنا وأسرنا ومجتمعنا كل في محيطه وكل فيما يستطيعه.
ومن الأسباب أيضاً: تقصير كلاً من الزوجين في القيام بحقه، وكل ينظر ما له ولا ينظر الذي عليه، وهذه قضية ينبغي أن ينظر فيها بعين الإنصاف والعدل والمساواة، وإن كانت المساواة ليست دقيقة على معنى؛ لأن الرجل له أكثر مما للمرأة كما قال عز وجل: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228].
ولا شك أن كل زوج يطالب بحقه، فالمرأة لها حقوق، والزوج له حقوق، وإن كنت لمست أن بعض أصحاب الفضيلة في المحاضرة غلب جانب حقوق النساء أكثر من جانب حقوق الرجال، وقد يكون غيره ركز على حقوق الرجال وقصر في حقوق النساء، القضية ميزان وعدل ينبغي على كل واحد أن يعلم ما له وما عليه، ثم لا أدري لماذا هرب الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله عن السؤال الذي عرض عليه، والمسألة محسومة شرعاً، ولا ينبغي في نظري أن تكون مجال أخذ ورأي، وينبغي أن يعالج في مثل هذا في أخطاء الناس وفي تطبيقهم لشرع الله عز وجل رجالاً كانوا أو نساء.
فإذاً -أيها الإخوة- هذه القضية وهذه القضايا الكثيرة علاجها: أن يعود الناس ولا سيما الزوجين إلى شرع ربهم المطهر، ففيه الشفاء من كل داء، كذلك ينبغي أن تتعاون الجهات كلها على علاج هذه القضايا، وينبغي أن يتعاون حتى أهل الزوجين إذا تضاعفت وتعاظمت الأمور، ينبغي أن تكون هناك لجان للإصلاح بين الأسر: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] فينبغي أن نسعى جميعاً للإصلاح {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128] فينبغي أن يصطلح الزوجان وأن يكون أهل الزوجين لا سيما الآباء والأمهات حريصين على مصلحة أبنائهم وبناتهم المتزوجين، ومما يستثنى أن بعض الآباء والأمهات ينظر إلى حق ابنه ولا ينظر إلى ما عليه من الحقوق، فتأتيه -مثلاً- ابنته تشتكيه زوجها فيغضب والدها ويريد أن ينتصر لابنته، وربما تكون ابنته هي المقصرة في حق زوجها، فهكذا ينبغي أن يسعى الناس للإصلاح، كما ينبغي أن يربى الأبناء على هذا، وأن يعرف الأبناء حقوق آبائهم وأمهاتهم حتى إذا أصبحوا أزواجاً وأصبحت البنات زوجات قمن بحقوق أزواجهن على ما ينبغي وعلى ما شرع الله عز وجل.
ثم متى يصلح البنيان؟
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا أنت تبنيه وغيرك يهدم
ينبغي أن تتعاون جميع الجهات المسئولة على توجيه الأمة بما فيها وسائل الإعلام، وبما فيها مناهج التعليم لرعاية حقوق الأسر وتربية الأبناء، ومعرفة حقوق الزواج والزوجين، لكن إذا كانت هذه الوسائل وقد دخلت كل بيت تثير بعض المشكلات التي قد تورث شقاقاً في الأسر بين الزوجين، كقضية التعدد مثلاً، أو قضية عمل المرأة، أو غير ذلك من المسائل، أو كان الأبناء يعيشون على هذه الوسائل والقنوات الفضائية التي تدمر الأخلاق والقيم، فلا شك أنهم سيخرجون إلى المجتمعات أعضاء مسمومة في المجتمع.
على كل حال أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعل هذه المشكلات تزول عما قريب عن كل بيت وعن كل أسرة، حتى تتفيأ ظلال الأمن الوارث والسكينة والرحمة التي من أجلها شرع الله الزواج، وأقام عليها عماد البيوت والأسر والمجتمعات.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وشكر حضوركم وإنصاتكم واستماعكم وجعلكم في روضة من رياض الجنة، وجعلكم ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
والحقيقة أن رسالة هذا المسجد ورسالة المساجد كلها ينبغي أن تتضاعف، ونطالب إخواننا في مركز الدعوة أن يكثروا من هذه الندوات والمحاضرات، في هذا المسجد، وأيضاً نشكر أصحاب الفضيلة أعضاء هذه الندوة المباركة جزاهم الله خيراً على ما قدموا وجعله في موازينهم.
ونرجو أن نراكم قريباً في نشاط قادم إن شاء الله.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.