المأخذ الثاني -وهو مهم جداً-: أن تأخذه بنية العمل: تقرأ القرآن كما يقول ابن مسعود: [لا تهذُّوا القرآن هَذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدَّقَل، ولكن قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب].
والله يقول: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
ويقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]؟! نعم والله عليها أقفالها، ونسأل من بيده مقاليد الأمور أن يفتح قلوبنا للقرآن.
ويقول في آية أخرى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]؟! أحد الإخوة يقول لي: يا أخي! هناك شخص يقرأ القرآن من يوم عرفته، ولكن ما تغير في شيء.
قلت: كيف يقرأ؟ قال: والله إني أجلس عنده بجانبه أقرأ، وهو يقرأ ثلاث أو أربع صفحات، وأنا لم أكمل نصف صفحة، مثل (الماكينة).
قلت: مسكين، اسأله: ماذا قرأ بعد أن يكمل قراءته؟ قل: يا أخي المسلم! ماذا قرأت؟! أيُّ أمر تلقيت؟! أيُّ نهي ورد عليك؟! ما هي الأخبار التي سمعتَها في القرآن؟! فسيقول لك: لا أدري.
وهي قراءة الكثير من الناس؛ إلا من ندر.
فإذا أردت أن يثبتك الله عز وجل بالقرآن الكريم، فالذي ينبغي عليك أن تسعى أولاً إلى تجريد القرآن وليس بالضرورة أن يكون غيباً؛ لأن بعض الشباب يقول: والله لا أستطيع أن أقرأ غيباً، ليس من داعٍ لهذا، الغيب هذا هبة من الله، إذا قدرت عليه فأنت ممن يأتي يوم القيامة وأناجيلهم في صدروهم كما جاء في الحديث: (أن موسى يقول: إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم، اجعلهم أمتي يا رب! قال: هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم).
والله أثنى على الحفظة فقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49].
وفي الحديث أيضاً يقول عليه الصلاة والسلام: (من أوتي القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه) لم يعد يأتي الوحي، لكن النبوة كلها في صدره، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن أشراف هذه الأمة هم حَمَلَة القرآن الكريم، يعني: حَفَظَته.
فالذي يحفظ القرآن هذا له فضل كبير من الله تبارك وتعالى، والذي يحفظ منه نصفه عظيم، والذي يحفظ ثلثه عظيم، والذي يحفظ ربعه طيب، والذي يحفظ منه أربعة أجزاء، أو ثلاثة أجزاء، أو جزئين، المهم احفظ ما تستطيع، ولكن ليس لك عذر في تجريد القرآن كله بالنظر، ماذا معك من عذر؟! لا عذر، إلا أنك مشغول عن القرآن، لا بد من تجريد القرآن أقل شيء برواية واحدة، رواية الإمام حفص عن الإمام عاصم؛ لأن عاصماً له روايتان: حفص.
وشعبة.
المشهورة عندنا الآن رواية حفص، إذا استطعت أن تأتي بالروايتين، وتعرف الفوارق بينهما عن الإمام عاصم بن أبي النجود فعظيم جداً، وإذا لم تستطع فأقل شيء أن تعرف كيف تجرد القرآن من أوله إلى آخره بالتجويد على رواية الإمام حفص، وهذه مشهورة وموجودة، وفي هذا المسجد عالِم -من فضل الله- يدرس القرآن، وفي مسجد اليحيى عالِم متفرغ أربعاً وعشرين ساعة في تعليم القرآن، وفي كل مسجد من مساجد المنطقة هذه، في أبها لوحدها أكثر من ثلاثين عالماً متفرغون لكتاب الله، ولكنهم والله يشكون إلينا وقلوبهم تتقطع، وأعينهم تدمع، يقولون: والله نكون جالسين من المغرب إلى العشاء وما يأتينا أحد، الناس معرضون لا يريدون القرآن، لا حول ولا قوة إلا بالله! هذه مصيبة! فلا بد -أيها الشاب- أن تجلس وتبرمج وقتك من الآن، الشيخ الأفغاني موجود -من فضل الله- في مسجده، والشيخ الأفغاني الآخر موجود في مسجد اليحيى، والشيخ محمد بشير الباكستاني في هذا المسجد، كثير من العلماء، اجلس عندهم وسجل اسمك، وادرس على الترتيب، اقرأ كل يوم ربعاً، أو صفحة، أو صفحتين، ستجد صعوبةً في أول الأمر حينما تمارس التجويد، لكن ما إن تأخذ فيه جزءاً أو جزئين إلا وينطبع لسانك على أحكام التجويد، حتى تقرأ القرآن كله بالتجويد بيُسر وسهولة إن شاء الله.
ثم بعد ذلك أثناء القراءة تفهَّم المعاني، وتعرَّف على أسرار القرآن، ثم ناقش نفسك على الأوامر والنواهي، والأخبار.
فالأخبار صدِّق بها، والأوامر نفِّذها، والنواهي انتهِ منها.
إذا سمعت الله يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فاسأل نفسك، أين أنت من الصلاة والزكاة؟! إذا سمعت الله عز وجل يقول: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] ولا ولا {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] هذه الأوامر في القرآن ينبغي لك أن تقف عندها، وأن تنفذها حتى يكون القرآن لك موطن ثبات، ووسيلة ثبات حتى تلقى الله تبارك وتعالى.
أسأل الله عز وجل أن يثبتني وإياكم على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.