ثالثاً: ولأن القرآن شفاء ودواء للقلوب، فالقلوب حرجة، وحساسة، وخطيرة، ولا علاج لها غيره، فليس لها حبوب تشربها، أو إبرة تعطيها، أو شراب، أو عمليات تفتحها، ونعني بالقلوب: القلوب الإيمانية، الواعية، الفاهمة، لا القلوب المادية، القلب المادي هو: عبارة عن عضلة تضخ الدم في العروق وتوصله إلى الرئة وترجعه لكي تكرره، هذا معك، ومع الحمار قلب مثله، ومع الثور مثل الدلو، أنا رأيت قلب ثور مثل الدلو، ومع ذلك لا يفهم، ورغم أن الثور والحمار أبلد الحيوانات لكن قلوبها أكبر القلوب؛ لأن عملية الضخ فيها أكثر للجسم الحيواني.
فالقلب الذي نعنيه: القلب الفاهم الواعي عن الله، وإلا فإن الله يقول: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].
فما دام أن القلب هو الميدان فلا بد أن تبحث له عن شفاء وعلاج، وعلاجه من القرآن، يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] ما هي التي في الصدور؟ القلوب وماذا أيضاً؟! توجد في الصدور أشياء أخرى، فهناك الرئة وغيرها، لكن كيف عرفنا أن القرآن شفاء لما في الصدور المراد به أنها القلوب؟! ففي القرآن نفسه قال الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].
فدلت هذه الآية على أن المعنى {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] يعني: القلوب، وليس شفاءً للرئة، ولا شفاءً للكبد، ولا شفاءً للبنكرياس، لا.
بل شفاءٌ للقلوب التي تفهم وتعي، قال الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].
والله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58].
أيها الإخوة! هل وسيلة تلاوة كتاب الله مُمْكنة أم غير مُمْكنة؟ ممكنة، وقد أقام الله الحجة على العباد كلهم؛ لأنهم أصبحوا يقرءون كلام الله.
ولكن هل مجرد القراءة ووجود القدرة على نطق الحروف هو وسيلة القرآن التثبيتية؟ لا.
ورد في بعض علامات الساعة أنه يظهر في الناس القلم، أي: من علامات الساعة أن ينتشر العلم ويظهر في الناس فيقرأ القرآن الرجل والمرأة، والكبير والصغير، وكل الناس يقرءون القرآن، لكن هل بمجرد قدرتهم على القراءة، أو قراءتهم للقرآن بالمزاج الذي يريدون يحصل لهم التثبيت؟ لا.
كما جاء في بعض الآثار: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) (وإذا قرأ القرآن ظالم لنفسه، ناده القرآن من جوفه، يقول له: يا ظالم! أين زواجري؟! أين قوارعي؟! أين آياتي؟!).
إذا ارتكب الإنسان محرمات وهو يقرأ القرآن، يصيح القرآن في جوفه.