مدى ضرورة الإيمان للناس

إن الإيمان ضروري لكل فرد كي يسعد ولا يشقى، وهو ضروريٌ لكل مجتمع كي يتماسك ولا يتحلل، وانظروا لو جئنا برجل مؤمن وآخر كافر أو فاسق أو عاصٍ أو منحرف، وأخذنا شريحة من قلب المؤمن وشريحة من قلب الكافر، وأخضعنا الشريحتين للتحليل، لوجدنا أن هذا الفرد المؤمن تغمره السعادة، وتسيطر عليه الطمأنينة، ويشعر بالرضا والارتياح وليس لديه أي قلق أو اضطراب، ولا يعاني من أي أمراض نفسية، ولا يقابل أي سلبية من سلبيات الحياة إلا بالرضا والتسليم، النعمة في حقه شكر، والبلية عنده صبر، فالمنّة عنده محن؛ والمحن عنده منح، إذا أنعم الله عليه فكر في نفسه: لماذا هذه النعمة.

لعلها استدراج؟ وإذا ابتلاه الله فكر في نفسه: لماذا بلاني الله؟! لعله عقاب!! فيحاول أن يصحح الوضع مع الله في كل حال، فهذا المؤمن.

أما الكافر تأتي إليه فتجده مغموراً بالشقاء، فالطمأنينة مفقودة في قلبه، والقلق والاضطراب والحيرة والشرود والتيه والضلال مسيطر عليه، والأمراض النفسية تعترضه من كل جانب، إذا أُنعم عليه فجر، وإذا ابتلي ضجر وسخط وعبس وجهه، وقال: لماذا يفعل ربي هكذا؟! لماذا الناس كلهم أصحاء إلا أنا مريض؟! ولماذا الناس كلهم متحررون إلا أنا مسجون، ولماذا الناس كلهم يأكلون ويشربون إلا أنا فقير، ليس عندي شيء، فالكفر هو الذي أملى عليه هذه المفاهيم، أما ذاك فما الذي زرع في قلبه كل تلك الأخلاقيات والسلوكيات والمفاهيم العظيمة؟ إنه الإيمان! فبغير الإيمان يشقى الإنسان ويضل، هذا على مستوى الفرد، أما على مستوى المجتمعات فبالإمكان -أيضاً- أن نجري دراسة وأن نعمل فحوصاً على مجتمع مسلم متماسك، ومجتمع كافر منحل، لنجد كيف الحياة هنا وكيف الحياة هناك: إن المجتمع المسلم مجتمع كامل متكامل، متعاطف متماسك، يشعر فيه كل فرد بشعور الآخر: (المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (المسلمون كالبنيان -أو كالبنان- يشد بعضه بعضاً) لكن في غير المجتمع المسلم مجتمع غاب، وسباع، الغلبة فيه للقوي، والفتك فيه والعزة للمسيطر، أما الضعيف فيموت جوعاً ولا يشعر به أحد، بل ولا يساعده أحد، بل إنه في أمريكا أو في الدول التي يسمونها المتحضرة، وهي في الحقيقة الدول الخاسرة، فـ أمريكا في قمة التطور المادي لكنها في الأخلاقيات في أسفل السافلين وفي الحضيض، هم حقيقة طوروا المادة لكنهم دمروا الإنسانية، هناك الأمريكي لا يثق في أخيه الأمريكي، ولا يسمح لأمه ولا لابنته ولا لولده أن يأكل معه من صحن واحد، ولكنه يسمح لكلبه أن يأكل معه، يجلس في المطعم وهناك كراسٍ للكلاب في المطعم، يقول لي أحدهم: والله استغربت من هذه الكراسي المصممة على قدر الكلب، كرسي الإنسان معروف، لكن كرسي الكلب صغير على قدر مقعدة الكلب، فهو مصمم تصميماً للكلب، ويدخل الكلب ويُجلسه، ويضع السفرة بينه وبينه، ولحمة طيبة وملعقة ويستأنس به، وإذا انتهى يمسح فمه ويقبله، ولا يفعل ذلك مع ابنته أو ابنه.

هذه مجتمعات الكفر والضلال، تمارس فيها الجريمة بشكل علني، حتى في الشذوذ الجنسي.

في بريطانيا مجلس العموم البريطاني يقرر بالإجماع إباحة زواج الرجل بالرجل، وهذا شيء لا يعاقب عليه القانون فهو شيء مباح، ويكتبون له ورقة وصكاً شرعياً بذلك، يأخذه ويمارس معه الفاحشة رسمياً، أهذا دين؟! أهذا خلق؟! هل رأينا هذا في عرف الحيوانات؟! هل رأينا حماراً يركب حماراً؟! أو كلباً يركب كلباً؟! أو قرداً يركب قرداً؟! يقول الله في شأن قوم لوط: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:165] ويقول تبارك وتعالى: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] لم يخترعها قبلهم أحدٌ أبداً.

ويقول الوليد بن عبد الملك: والله لولا أن الله حدثنا في القرآن عن قوم لوط، ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط، لعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط، لعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط) وقال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به فاقتلوهما) حدهم في الشرع القتل، وورد في بعض الآثار أن الذكر إذا ركب الذكر اضطربت السماوات والأرض، فتمسك الملائكة بأطراف السماوات من غضب الرب تبارك وتعالى وتقرأ (قل هو الله أحد) حتى يسكن غضب الله عز وجل، إنه شيء لا يمكن أن يتصوره العقل، ولهذا عاقب الله من عمل هذا العمل بأن أرسل جبريل فغرس جناحه إلى تخوم الأرض ثم حملهم إلى السماء ثم قلبها عليهم، قال الله: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82 - 83].

فالمجتمع بغير دين مجتمع غابة، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة، فالحضارة يا أخي! ليست بالمباني ولا بناطحات السحاب، ولا بالشوارع الفسيحة، ولا بهدير الآلات أو أزيز المصانع، ولكن الحضارة مفاهيم، ما رأيكم لو وجدنا كلباً نظيفاً يلبس بدلة ويعيش في عمارة، وآخر متسخاً يعيش في برميل قمامة، هل الكلب النظيف الذي يلبس البدلة ويجلس في عمارة؛ مفضل على الكلب الذي يعيش في برميل القمامة؟ لا والله.

بل كلها كلاب.

لو أنك أتيت بشخص من تهامة أو البادية، ليس عنده شيء من الحضارة، ثيابه مقطعة، فإنك تجد لديه مفاهيم ليست موجودة في أكبر إنسان في الدنيا! تجد عنده نجدة ونخوة ومروءة، لو أتيته في بيته وما عنده إلا شاة لذبحها لك، ولا يذوقها بل يتركها لك، ولو استنجدت به وأنت في أشد الظروف لافتداك ولو بنفسه، بينما في أمريكا لو طلبت من مخترع عظيم قرشاً واحداً لا يعطيك.

إذاً: ما هي المفاهيم التي عنده؟ هل الإنسانية أنك تبني عمارة وتسكنها، أم أن الإنسانية أن تعيش بإنسانيتك؟!! ولهذا يقول أبو الحسن الندوي في كتابه حضارة الغرب: زرت أمريكا فوجدت فيها كل شيء إلا الإنسان، يقول: خرجت في النهار والليل أبحث عن الإنسان، فلم أجد شيئاً، يقول: رأيت السيارات، والطائرات، والناطحات، والشوارع، وأردت الإنسان فلم أجده، رأيت مسخاً يمشي على قدمين، إنه مسخ وليس بإنسان، إنه يعيش في أخلاق الكلاب، والقردة، والحمير، والخنازير، والله لا أجرؤ على أن أسميه إنساناً، فالإنسان بإنسانيته وبمفاهيمه، فإذا تجرد عن مفاهيم الإنسانية فليس بإنسان، بل يبقى في شكل الإنسان لكنه ممسوخ مسخاً مشوهاً للإنسانية.

فالمجتمع بلا دين وإن لمعت فيه بوارق الحضارة فهو مجتمع غاب؛ لأنه دمر الإنسان، وإن استطاع أن يسبح في الفضاء وأن يغوص في أعماق البحار، فإنه عجز أن يخطو خطوة واحدة في سبيل الخير والنفع العام.

وما أخبار قذف ملايين الأطنان من القمح في البحار عنكم ببعيدة، تعرفون أن أمريكا تقذف ملايين الأطنان من البر في البحار، بينما الناس في أمريكا نفسها وروسيا وإفريقيا يموتون جوعاً والحبوب تقذف، فلماذا يقذفون الحبوب؟ قالوا: حتى نحافظ على مستوى قيمة السلعة، إذ لو وردنا كل الحبوب فإن سعرها سوف ينزل وبالتالي نخسر، إذاً: نغرقه في البحر ولا نعطيه للفقراء والمساكين.

وما حرب النجوم عنكم ببعيد، تُرصد المليارات بل وآلاف المليارات رغم حاجة الشعوب في الأرض إليها، ترصد كلها للتنافس والتسابق من أجل التدمير، ولذا يوم أن استطاعت أمريكا أن تصل إلى كوكب من الكواكب عبر بحوثها العلمية، وبرامجها في حرب النجوم، بدأت الآن تطلب وتدغدغ أحلام الشرقيين في روسيا لتنزع بعض الأسلحة، وقد سمعتم بالمؤتمر الأخير الذي حصل بينهم، وأنهم نزعوا صواريخ متوسطة المدى، وهذه الصواريخ مع أمريكا منها (220) صاروخاً، وعند روسيا منها (440) صاروخاً، كلفة الصاروخ الواحد مليار يعني: ألف مليون دولار! ثم إن القوة التدميرية للصاروخ كبيرة جداً لدرجة، فهو يستطيع أن يدمر مدينة مثل نيويورك قوام أهلها عشرة ملايين.

فـ أمريكا قالت: ننزع السلاح، لماذا؟ لأنها استطاعت أن تصل إلى حرب تمارسها عن طريق النجوم، بحيث تفرض هيمنتها على الأرض كلها شرقيها وغربيها، عن طريق المال والإمكانيات، وهذا كله لأن الإنسان نفسه والمجتمع ليس مجتمعاً إسلامياً، ولا يعيش في ظلال الدين، وإلا لكان غير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015