جاء رجل إلى شقيق البلخي وقال له: إن ذنوبي كثيرة، وقلبي قاسٍ، وعيني متحجرة، ولا أبكي من خشية الله، وأقع في المعاصي فعظني، قال له: إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من أرض الله قال: أين أذهب والأرض كلها لله؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله.
قال: ومن أين آكل إلا من رزق الله؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه وتأكل من رزقه، فاذهب إلى مكان لا يراك فيه أحد.
قال: وأين أذهب والله يراني في كل مكان؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرض الله وتأكل من رزقه وهو يراك، فإذا جاء ملك الموت يقول لك: قد حان موتك، فقل له: لا.
لن أذهب معك، أنا رجل لا أحب القبور، أنا أحب القصور والزوجات، أما القبور فليس فيها إلا وحشة، أنا لا أستطيع أن أنام في غرفة أو عمارة لوحدي، قال: لن يطيعني ملك الموت فيما أريد.
قال: إن أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه وتأكل من رزقه وهو يراك، وتعرف أنه سيدعوك بالموت، فإذا أمر الله الملائكة يوم القيامة أن يأخذوك إلى النار فارفض أن تذهب معهم! وقل: والله لا أدخل النار، أنا رجل أريد الجنة، هل يطيعونك يوم القيامة؟ قال: لا؛ لأن الله يقول: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] قال العلماء: غلاظ في الخلقة، شداد في الأخلاق.
قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، وإن الملك الواحد ليأخذ بيده هكذا فيلقي سبعين ألفاً في النار).
راود أعرابي امرأة في الصحراء وقال لها: لا يرانا إلا الكواكب، وهي تمتنع وتقول: لا.
قال: لا أحد يرانا إلا الكواكب والنجوم، قالت له: فأين مكوكبها؟! أي: أين الله الذي يراك، إن كان لا يراك إلا النجوم والكواكب فإن الله الذي خلقها وكوكبها يراك؟ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير في طريق ومعه الأحنف بن قيس، فمروا على راعي غنم فقال له عمر: يا راعي الغنم! بعنا شاة من هذه الغنم، فقال الراعي: إنني والغنم مملوكين لسيدي ولا أملك شيئاً، فقال: بعنا شاة وقل: أكلها الذئب، فرفع الغلام بصره إلى السماء وقال: وأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه حتى اخضلت لحيته، وذهب إلى سيد هذا الراعي واشتراه وأعتقه، وقال: كلمة أعتقتك في الدنيا وأرجو الله أن تعتقك من النار يوم القيامة.
والناظم يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوب
وقال الآخر:
أقول إذا ضاقت عليَّ مذاهبي وحل بقلبي للهموم ذنوب
لطول جنايتي وعظم خطيئتي هلكت وما ليَّ في المتاب نصيب
يذكرني عفو الكريم عن الورى فأحيا وأرجو عفوه وأنيب
فأخضع في قولي وأرغب سائلاً عسى كاشف البلوى عليَّ يتوب
يا مدمن الذنب أما تستحي والله في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا
المقصود أيها الإخوة: أنه صلى الله عليه وسلم لما أوصى معاذاً بهذه الوصية العظيمة، أمره بتقوى الله سراً وعلانية، قال: (اتق الله حيثما كنت) في الليل والنهار، والسر والجهار، والخلوة والجلوة، والسماء والأرض، وكل مكان.
اتق الله في نظرك فلا تطلقه فيما حرم الله، واتق الله في أذنك فلا تسمع بها ما حرم الله، واتق الله في لسانك فلا تتكلم به فيما حرم الله، واتق الله في فرجك فلا تطأ به ما حرم الله، واتق الله في قدمك فلا تسر بها إلى ما حرم الله، واتق الله في يدك فلا تمدها إلى ما حرم الله، واتق الله في زوجتك فلا تأمرها بمعصية الله، واتق الله في ولدك فلا تربه على معصية الله، واتق الله في بيتك فلا تملأه بمعصية الله، واتق الله في عملك، وأخلص فيه حتى يكون دخلك حلالاً، واتق الله في كل شيء اتق الله حيثما كنت.
ونقول أيضاً للمرأة المسلمة، لعلها تسمع في هذا المسجد أو في خارج المسجد من خلال الشريط: اتقي الله أيتها المرأة المسلمة في صلاتك فلا تضيعيها، وحجابك؛ فإن الحجاب دين، وليس موضة ولا تقليداً ولا عرفاً ولا عادة، الحجاب دين الله وشريعته، الحجاب الساتر هو ما يستر المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، اتقي الله في حجابك، اتقي الله في عباد الله ولا تؤثمي العباد، ولا تعرضين العباد للمعصية؛ لأن المرأة إذا تبرجت وخرجت ورآها الناس عرضتهم لمعصية الله، فقد كانت سبباً في معصية الله، ما من عين تنظر بها إلا سمر الله في كل عين وجسد مسماراً من نار يوم القيامة.
اتقي الله في أولادك وربيهم على طاعة الله، واتقي الله في زوجك في طاعته، وحفظ عرضه وماله وولده، اتقي الله أيتها المؤمنة في كل شئونك، حتى تدخلي الجنة وتكوني من المتقين لله عز وجل.