يقول أبو هريرة وقد سئل عن التقوى قال: [هل سلكت وادياً كثير الشوك؟ قال: نعم.
قال: كيف صنعت؟ قال: رأيت الشوك وشمرت وعزمت حتى جاوزته، قال: ذلك التقوى] وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر في أبيات له يقول:
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
والناظم الآخر يقول:
لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يصير كبيرا
إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا
والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من محقرات الذنوب، يقول: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنها تجتمع على المرء حتى تهلكه) وضرب بهذا مثلاً والحديث في مسند أحمد، قال: (كقوم نزلوا في فلاة فلم يجدوا حطباً، فقال لهم كبيرهم: كل واحد يأتي بعود، فانبثوا كلهم، وجاء كل واحد بعود، وأوقدوا النار وصنعوا الطعام واحتملوا منه) وكذلك المعاصي تأتي من كل طريق هذه بسيطة وهذه بسيطة ثم تأتي عليها وهي مثل الجبال الراسيات، والله تعالى يقول: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15].
أما أصل التقوى -أيها الإخوة- فهو: أن يعرف العبد ما يتقى حتى يتقيه؛ لأنك لو لم تعرف الربا أو الزنا لم تتقه، وإذا لم تعرف النظر الحرام لم تتق النظر الحرام، فلا بد من العلم بطاعة الله والعلم بالمعاصي، حتى تتقي هذه الذنوب.