التقوى تشمل جميع درجات الدين: فتشمل فعل الواجبات وترك المحرمات، ويدخل فيها أيضاً فعل المندوبات والمستحبات، وترك المكروهات وهي أعلى درجات الدين، يقول الله عز وجل: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] أي: القرآن هدى للمتقين، ثم: ما هي صفاتهم؟: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:3 - 5].
وينادي يوم القيامة كما قال معاذ بن جبل -وهذا له حكم الرفع-: (ينادي منادٍ يوم القيامة: أين المتقون؟ فيقومون -وهم قليل- في كنف الرحمن لا يحتجب منهم ربنا ولا يستتر).
التعريف الأول: قال ابن عباس: [المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى].
التعريف الثاني: قال الحسن البصري: [المتقون اتقوا ما حرم الله، وأتوا ما افترض الله].
التعريف الثالث: قال عمر بن عبد العزيز: [ليس تقوى الله بصيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله عز وجل ترك ما حرم الله، وأداء ما فرض الله، فمن رزق بعد ذلك شيئاً فهو خير إلى خير] يقول: ليست التقوى أن تصلي وتصوم، ثم تذهب وتغني، وتشرب الدخان، وتحلق اللحية، وترى الأفلام والنساء وأنت تصلي وتصوم، فهذه ليست تقوى، فتقوى الله عز وجل أن تقوم بطاعة الله، وتترك معصية الله، وتزيد خيراً على خير، هذا كلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه.
التعريف الرابع: قال طلق بن حبيب، وتعريفه كما قال العلماء هو أشمل تعريف للتقوى، قال: [التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخشى عقاب الله] فقد يعمل الإنسان من الطاعة ولكن على جهل، فقد يصلي صلاة ولكن بدون خشوع أو طهارة أو إخلاص، إذ لا بد أن يعمل العمل على نور، وأن يكون هدفك من هذا العمل الصالح أن ترجو ثواب الله، وهذا هو إخلاص، فلا ترجو ثواب الدنيا ولا الرياء ولا السمعة، ولا أن يقال: فلان دين، بل ترجو ثواب الله، وتخشى عقاب الله، أي: لا تخش العار؛ لأن بعض الناس لا يزني لأنه خائف على الوظيفة والسمعة، ولو مكن من الزنا لوقع فيه، ولكن يخاف على سمعته ومكانته، لا.
بل تخشى عقاب الله قبل كل شيء.
هذا معنى التقوى.
التعريف الخامس: قيل: التقوى، وهذا القول ينسب إلى علي رضي الله عنه: [التقوى أربعة أشياء: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل] فإذا وجدت معك هذه الأربع فأنت متقٍ، فالخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل -أي: القرآن المنزل- والرضا بالقليل مما رزقك الله؛ لأن المقسم هو الله، والاستعداد ليوم الرحيل، فإذا عملت بهذه الأربع فأنت من خيار المتقين.
ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه وهو صحابي جليل -وأنا أحب أن أعرج بكم دائماً على سير الصحابة لنكون على علم بهؤلاء الرجال العظماء- أبو الدرداء هذا الصحابي العظيم يقول: [ثلاث أحبهن ويكرههن الناس، قالوا: ما هن يرحمك الله؟ قال: الفقر والمرض والموت، قالوا: وكيف تحبها والناس يكرهونها، قال: أما الفقر فأحبه تواضعاً لربي، وأما المرض فأحبه تكفيراً لخطيئتي، وأما الموت فأحبه للقاء ربي] وكان يقول: [من كان له كنز فليكنزه في السماء؛ فإن القلب معلق بالمال، فإذا كنزت مالك عند الله، تعلق قلبك بالله، وإذا كنزت المال في الأرض تعلق قلبك بالأرض] التعريف السادس: يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: [كمال التقوى: أن يتقي الله حتى يتقيه من مثقال ذرة] يتقي الله من مثقال ذرة؛ لأن الله تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه} [الزلزلة:7] فلتتق الله أيها العبد ولا تضع مثقال ذرة من العمل الصالح! أو من لحظات عمرك إلا في طاعة الله، ولتتق الله في مثقال الذرة من المعاصي، فإن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:8].
التعريف السابع: قال سفيان الثوري وهو من التابعين: إنما سموا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يتقى.
وقال موسى عن المتقين: إنهم الذين تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في شيء من الحرام، فسماهم الله متقين.
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة أن يقع فيما به بأس) وهذا هو معنى ترك الشبهات: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) والعياذ بالله.