Q ماذا تقول فيمن يلعب بغترته، ويبعثر لحيته أكثر من مرة بعد تكبيرة الإحرام؟ أفتونا ولكم جزيل الشكر؟
صلى الله عليه وسلم هذا الرجل الذي يعبث بلحيته ويلعب بغترته قلبه غير خاشع؛ لأنه لو خشع قلبه لسكنت جوارحه، فإذا رأيت الإنسانَ يعبثُ ويصول ويجول ويتحرك، ويُكثر، فاعلم أن قلبه ليس موجوداً في المسجد؛ لأن القلب إذا شَرَد تمردت الجوارح، العين تبدأ تنظر، والأذن تبدأ تسمع الكلام الذي في الخارج، واليد تبدأ تحك، والجسم يبدأ يضطرب، وكل شيء يبدأ في الحركة، أما إذا حضر القلب، وبدأ الإنسان يركز ويفكر ويؤكد على قضية الخشوع فإن كل شيء يخشع؛ لأن القلب ملك الجوارح، إذا كان مدير الإدارة موجوداً في الدائرة فما رأيكم في بقية الموظفين؟! الكل على مكتبه، أليس كذلك؟! لكن إذا خرج المدير فماذا يفعلون؟! يسألون: المدير موجود؟! فيقال لهم: لا.
فيقال: إذاً: عندي عذر، أو عندي معاملة، أو أريد أن أذهب إلى السوق، أو أريد أن أذهب إلى المستشفى.
ولن يقعد أحد.
وكذلك فمدير الجوارح هو القلب، إذا حضر تجد كلَّ شيء مكانه، العين لا تقدر أن تنظر، والأذن لن تسمع، واللسان كذلك، لماذا؟! لأن القلب موجود، أما إذا خرج القلب خرجت الجوارح، هذا مثال واقعي تماماً (100 %).
فنقول للأخ الكريم: إن هؤلاء نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم، وأن يحمينا وإياهم من نزغات الشيطان.
وهناك وسائل كثيرة لجلب الخشوع في الصلاة، وإن شاء الله سوف أقدم درساً خاصاً في هذا الموضوع بعنوان: (كيف يخشع المسلم في صلاته؟!) فالخشوع ليس سهلاً -يا إخواني- هذا لا يقدر عليه إلا أفراد من البشر؛ لأن كثيراً من الناس يستطيعون قمع الشيطان، وقهره بأداء الصلاة جماعة في المسجد؛ لكن الشيطان يعرف أنه لا يُكتب للإنسان من صلاته إلا ما حضر فيها قلبُه، فهو يَسْمَح لهم بأن يأتوا ليصلوا؛ لكن لا يسمح لهم بأن يصلوا بخشوع، ولذا جرب أنت من الآن، لما نصلي العشاء الآن جرب وحاول وأنت تسمع الفاتحة أن تركز على المعاني، وأن تفكر في الصلاة، وفي الآخرة، وفي الجنة، وفي النار، ولا تركز في أي شيء خارج الصلاة، كيف تشعر؟! تشعر بضيق، تشعر بانقباض، من أين جاء الضيق والانقباض؟! من الشيطان، ولا يزال بك إلى أن يأخذ قلبك فتخرج من الصلاة، وكثير من الناس يخرج قلبه من الصلاة؛ لكن لو جئت تأكل لتتعشى، ووضعوا أمامك؛ سفرة الطعام؛ وفيها الأرز واللحم والمحلبية والسلطة والإدام والعيش واللبن، هل يفكر الإنسان في غير هذه؟ أيوسوس في غير الأرز؟! أم يوسوس في غير اللحم؟! أبداً، لا وسواس إلا في هذا؛ لكن في الصلاة لا يحضر قلبك، لماذا؟! لأن الشيطان حريص عليك أنك لا تصلي.
فالموضوع هذا مهم جداً، ولا يثبُت له ولا يستطيع عليه إلا من وفقهم الله، وإن شاء الله نتعرض لهذا الموضوع بشيء من التفصيل في رسالة كاملة إن شاء الله، أو في موضوع درس كامل (كيف يخشع المسلم في صلاته؟!) لأن الخشوع له أسباب: أسبابٌ قبل الصلاة: أسباب تبدأ وأنت ما زلت في البيت.
وأسبابٌ في مشيك، وأسبابٌ في وقوفك في صلاتك كتحية المسجد، وأسبابٌ في قراءتك للقرآن: أتدري أن قراءتك للقرآن بين الأذان والإقامة لها دور في خشوع القلب، وأسبابٌ في الدعاء: الدعاء الذي تدعو به بين الأذان والإقامة؛ لأنه وقت إجابة، فله سبب في حضور القلب، وأسبابٌ في التفكُّر، وأسبابٌ في التذكُّر، وأسبابٌ في المراعاة، وأسبابٌ بعد الصلاة: في أثر الصلاة في حياتك.
هذه كلها تؤثر على خشوع القلب.
لكن من يقعد في بيته إلى أن تقام الصلاة، ثم إذا أقيمت جاء جرياً، ثم دخل: الله أكبر، بسم الله الرحمن الرحيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] وهو مُتعب ويسرع في صلاته، كيف يخشع هذا في صلاته؟! هذا مسكين، هذا مخدوع.
لكن ذاك الذي يأتي من الأول، ويصلي، ويجلس، ويدعو، ويقرأ، ويرتل، ثم يقوم وهو مستعد، هذا الذي يصير في قلبه خشوع.
وإن شاء الله سوف نتعرض لهذا بإذن الله في المستقبل.
والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.