يتصور بعض الناس أن هذه الآية فقط مصروفة إلى الحُكَّام والرؤساء الذين لا يحكمون الشرائع، وهي آية عامة تشمل الحاكم والمحكوم، والكبير والصغير، وكلُّ مخاطب بهذه الآية يجب أن يحكم أمر الله فيه.
فعينُك هذه محكومة بأمر الله، أي: أمَر الله فيها بحكم، وقال لك: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30]، هذا حكم الله في عينك، هل أخضعت عينك لحكم الله؟! أم أن عينك متمردة على حكم الله؛ فهي تنظر إلى ما حرم الله؟! وأذنك هذه مأمورة بأمر، فلا تسمع ما حرم الله، فهل حكَّمت فيها أمر الله فمنعتها من استماع الغناء وما حرم الله؟! ولسانك هذا محكوم بأمر الله، فهل أخضعت هذا اللسان لشرع الله، وحكمته بشريعة الله؟! أم أنه محكوم بالهوى والشهوة والعادة والطبيعة؟! وفرجُك، ويدُك، ورجلك، وبيتك، وزوجتك، وعملك، ومؤسستك، وحياتك كلها ما من جزئية من جزئياتك إلا وفيها أمر لله، هل حكمته بأمر الله؟! {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].
قال العلماء: كيف تعدد الحكم بين: (كافرون، ظالمون، فاسقون)؟! رغم أن المعصية واحدة.
قالوا: الناس أمام أمر الله ثلاثة أصناف: الأول: صنف يواجهه أمر الله، فلا يؤمن به أصلاً، ويرفضه، ويتصور أن أمره أحسن من أمر الله، فهذا كافر.
الثاني: صنف يواجهه أمر الله وهو ظالم، وأمر الله يأمر بالعدل، فيرى أن أمر الله يرد ظلمه، فيرفضه ليستمر في ظلمه، فهو ظالم.
الثالث: صنف يواجهه أمر الله، ويعرف أن أمر الله حق؛ لكن أمر الله يحول بينه وبين ممارسة فسقه ومعاصيه، وهو إنسان يحب الشهوات، وإذا عرف أن أمر الله ينفذ عليه، فلا يريده من أجل الشهوة، فهذا فاسق.
والذي تتوفر فيه الثلاثة كلها؛ يرفض أمر الله؛ لأنه لا يريده أصلاً، ولا يرى أنه أفضل شيء، ثم هو ظالم، ثم هو فاسق، فتجتمع فيه الصفات كلها -والعياذ بالله-.