يقول ابن القيم: هيا إلى الدخول على مولاك، فإنه أشد فرحاً بعودتك من رجل فرت عليه ثم وجدها كما جاء في الحديث: (كان في فلاة ومعه راحلته، وعليها زاده ومتاعه، فضلت عنه ولم يجدها، فبحث عنها حتى أيس منها، فنام تحت ظل شجرة ينتظر الموت فردها الله عليه، فلما أفاق وإذا بها واقفه عند رأسه عليها متاعه وزاده وماؤه فقال من شدة الفرح) لأنه كاد أن يموت حقيقة، إذا ما رجعت لمات، لكن كان في رجوعها حياة له، فكأنه قد حكم عليه بالموت والإعدام والله أعتقه.
ما رأيك في هذا الإنسان؟ إنسان حكم عليه بالقصاص وأخرج إلى السوق في ساعة الإعدام، ونزل من السيارة، ورأى (العساكر) مصطفة، ورأى الجموع محتشدة، وهو موثق بالقيود يساق إلى ساحة الإعدام، ووضع في القيد وقرأ عليه الحكم، وقبل إطلاق الرصاص عليه أو ضرب رأسه بالسيف قال له صاحب الدم: فكوه، هو معتوق لوجه الله، ما رأيكم في فرحة هذا الإنسان؟ هل يمكن أن تقاس؟ لو أخذنا شريحة من قلبه وحللناها كيف سيكون وضعه؟ وكيف هي نفسيته؟ هل في الدنيا أسعد منه وأعظم حالة منه في تلك اللحظات؟ لا.
فهذا الرجل لا يوجد في الدنيا أعظم حالة منه لما كان سيموت، ويوم استيقظ وإذا بالراحلة موجودة عند رأسه فقام وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من فرحة هذا الرجل براحلته) لا إله إلا الله ما أعظم حلم الله، وما أعظم عفوه ورحمته! يفرح بك ربك إذا رجعت إليه أعظم من فرحة هذا الرجل الذي كاد أن يموت، أي فرح هذا، وأي نعمة هذه من الله عز وجل.