آل ياسر وما نالهم من البلاء

أما من ناله العذاب بشكل أكبر فهم الموالي، أي الأرقاء، الذين كانوا عبيداً مسترقين ثم أسلموا، فهؤلاء تحملوا نصيباً كبيراً من الأذى والتعذيب.

وأول أسرة تعرضت للعذاب وكلها أسرة موالي، كلها أرقاء، أسرة آل ياسر، رضي الله عنهم وأرضاهم، كانت هذه الأسرة يضرب بها المثل فيما لاقاه المستضعفون من الابتلاء في أول تاريخ الإسلام، وقد كان بنو مخزوم وهم أسياد آل ياسر يخرجون بهم إذا حميت الظهيرة، فيعذبونهم برمضاء مكة، ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة وهم يعذبون، فنظر إليهم، وقال لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) وكانت أول شهيدة في الإسلام هي سمية بنت خياط أم عمار وزوجة ياسر، طعنها أبو جهل عليه من الله ما يستحق، مر عليها وهي مقيدة بيديها وأرجلها في الرمضاء وهي تقول: أحد أحد، فطعنها بالرمح في قبلها وماتت، وكانت أول من أريق دمه وأول شهيدة نالت شرف الشهادة في سبيل الله في الإسلام، وأيضاً مات زوجها ياسر، مات شهيداً من شدة العذاب، ورمي ابنه عبد الله بسهم فمات، وتفننوا في إيذاء عمار بن ياسر ولد سمية، حتى أجبروه في يوم من الأيام على أن يتلفظ بكلمة الكفر بلسانه، وقد ذكر جمهور المفسرين، أن سبب نزول قول الله عز وجل: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} [النحل:106] أنها نزلت في عمار؛ لأنهم عذبوه حتى انتهى صبره، ثم قالوا له: والله لا نتركك من هذا العذاب حتى تسب محمداً، وتكفر بمحمد، فقال كلمة الكفر مضطراً، ثم لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكا إليه وقال: (يا رسول الله! والله ما تركوني حتى نلت منك وسببتك، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد) ونزل قول الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل:106].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015