ما هي الأعباء التي سيقوم بها عيسى بعد قتله للدجال؟ يقضي عيسى على الدجال أولاً، ويخرج يأجوج ومأجوج في زمانه كما سيأتي، ويفسدون في الأرض فساداً عظيماً لا يعلمه إلا الله لكثرتهم، ويدعو عيسى عليه السلام ربه عز وجل، فيصبحون موتى لا يبقى منهم أحد، وعند ذلك يتفرغ عيسى بعد هلاك الدجال وهلاك يأجوج ومأجوج للمهمة التي أنزله الله من أجلها، ألا وهي تحكيم شريعة الله عز وجل، والقضاء على المبادئ والدعوات والأديان المنحرفة، فلا يبقى في الأرض دين ولا مبدأ، ولا دعوة إلا دعوة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب -الصليب شعار النصارى- ويقتل الخنزير، ويضع الحرث، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) يعني من تسابق الناس ورغبتهم في فعل الخير، يعملون الأعمال الصالحة، ويتفاضلون ويتنافسون في عملها، حتى تكون السجدة الواحدة عند أحدهم أفضل من الدنيا وما عليها، سباق في العمل الصالح، لماذا؟ لأن الأرض كلها عمرت بدين الله عز وجل.
وفي رواية لـ مسلم قال: (والذي نفسي بيده لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً وليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية -لا يوجد إلا الإسلام أو السيف، إما دخول في دين الله أو القتل- ولتذهبن الشحناء من الناس، ولينقضين التباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد) تقول: خذ فلوساً، يقول: لا أريد، لأنه مشغول بما هو أهم من ذلك، الخير موجود وهو مشغول بطاعة الله تبارك وتعالى.
وفي صحيح مسلم أيضاً، عن النواس بن سمعان حين ذكر حديثاً طويلاً فيه الدجال ونزول عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وفي آخر الحديث ذكر صلى الله عليه وسلم دعاء عيسى ربه فقال: (فيستجيب الله ويهلك يأجوج ومأجوج، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم -زهم يأجوج ومأجوج؛ لأنه يأتيهم مرض في حلوقهم، مثل النغفة، تطلع له مصيبة في رقبته حتى تضيق عليه مجرى النفس فلا يستطيع أن يتنفس فيموتون كلهم، ثم ينزل عيسى وقد ملأ الأرض زهمهم يعني رائحتهم ونتنهم- فيرغب إلى الله عز وجل، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً فيغسل الله الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتكِ، وردي بركتك، فيأكل العصابة من الرمانة) العصابة: يعني مجموعة من الرجال، يأكلون رمانة ويشبعون منها ويستظلون بقحفها، يعني: المكان الذي كان فيه الرمان وهم عصابة من الرجال يأكلون من الرمانة، ثم ينصبونها خيمة ينامون تحتها من كبر الثمرة، هذه الثمرة مثل الخيمة فكيف الشجرة؟ لماذا؟ لأن الله عز وجل قد غسل الأرض من أدران العباد، إن الفساد الذي ترونه الآن في الثمار كله بأسباب ذنوب الناس ومعاصيهم، والله ما تغير شيء في الأرض من مطر، ولا من ثمر، ولا من مرض، ولا من وباء إلا بأسباب ذنوب العباد، يقول الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] فإذا غسل الله الذنوب ولم يبق في الأرض شيء قال الله للأرض: أخرجي البركة التي كانت فيكِ، والتي كان يجب أن تكون موجودة فيك بكل زمان لو أن الناس استقاموا على دين الله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجن:16] لكن كيف ينتظر الناس أن يسقيهم الله الماء والمطر وهم على المعاصي والذنوب، كيف؟ لا يمكن أبداًً، ولو سقاهم الله لسقاهم بدون بركة، ولو دعوا الله فلن يستجيب لهم؛ لأنهم لم يتوبوا من المعاص والذنوب، ادع الله وأنت نظيف طاهر من الذنوب والمعاصي ليستجيب الله لك، أما أن تدعو الله وأنت غافل، فلا يستجيب الله للغافل ولا للعاصي غير المضطر: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62].
(فتأكل العصابة من الرمانة ثم يستظلون بقحفها، ويبارك الله في الرسل -الرسل: اللبن- حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس) يعني الواحدة تكفي القبائل، الفئام: يعني: القبائل من الناس، قبيلة عسير وقحطان وشهران تكفيهم لقحة واحدة، من البركات التي أنزلها الله عز وجل: (وإن اللقحة من البقر لتكفي القبيلة الواحدة، وإن اللقحة الواحدة من الشاة لتكفي الفخذ من الناس) يعني المجموعة الذين هم (مائة مائتين ثلاثمائة أربعمائة نفر) تكفيهم واحدة من الغنم، وهذا كله بسبب البركة التي تنزل على الناس حين يحكمون بشريعة الله، ويلتزمون بمنهج الله، ولا يبقى في الأرض كفر، ولا معصية، ولا دين إلا دين الإسلام حتى لا يوجد شخص يعصي الله عز وجل، فهناك تنزل عليهم البركة.
ومما يؤخذ من النصوص في موضوع عيسى عليه السلام أنه نازل لا محالة في آخر الزمان، والتكذيب بنزوله تكذيبٌ بالقرآن وبما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} [النساء:159].
ثانياً: أن عيسى عليه السلام يحكم بشريعة الإسلام.
ثالثاً: أنه يقضي على جميع الأديان ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام، ولهذا فإنه يكسر الصليب وهو رمز النصارى، ويقتل الخنزير الذي حرمه الله عز وجل، ويضع الجزية فلا يقبل من اليهود والنصارى إلا الإسلام، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (يقاتل الناس على الإسلام ويدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله بزمانه الملل كلها إلا ملة الإسلام).
الرابع: أن الرخاء يعم، وأن سيادة السلام والأمن في ذلك الزمان تنتشر ولا يبقى في الناس حرب ولا قتل ولا شحناء، وإنما أمن وأمان وإسلام ورخاء لم تعرفه البشرية عبر حياتها الطويلة.
أما مكثه في الأرض ومدة بقائه: فإنه يمكث في الأرض أربعين سنة، وهذا ورد في حديث صحيح في سنن أبي داود قال: (فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون) وهو في أثناء إقامته أربعين عاماً يحكم بالإسلام، ويصلي إلى قبلة المسلمين، كما ثبت أنه يحج البيت العتيق عليه صلاة الله وسلامه، ففي صحيح مسلم، وفي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بـ فج الروحاء حاجاً ومعتمراً) والروحاء مكان على طريق مكة والمدينة يبعد عن المدينة حوالي أربعين ميلاً، والرسول يقسم أنه سوف يهل، أي سيأتي من بيت المقدس على طريق المدينة، ويهل من طريق الروحاء بين مكة والمدينة على بعد أربعين ميلاً حاجاً ومعتمراً، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.