قال الرجل الشاب وهو جالس معي: وكيف أعرف ذلك من نفسي؟ قلت: سأعطيك أمثلة: هل تصلي صلاة الفجر في المسجد؟ قال: لا.
قلت: لماذا؟ قال: نومي ثقيل والطقس بارد وأنا أسهر لأذاكر مع زملائي.
قلت له: إذن كيف وصفت نفسك بأنك ملتزم؟ كيف عرفت؟ قال: الحمد لله أنا أحب الخير.
قلت: هذه دعوى، فكل واحد يقول: أنا أحب الخير، ولكنها دعوى لا تثبت إلا بدليلها، فدليل حبك للخير هو الانقياد والإذعان لأوامر الله، والذي لا يصلي الفجر في المسجد هذا يعلن عدم إيمانه بالله، لماذا؟ للحديث الصحيح في البخاري ومسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر) فهي أثقل من الجبال على المنافق (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) أي: لو يعلمون بعظم الثواب وعظم الدرجة والمنزلة العظيمة التي يتبوؤها صاحب صلاة الفجر.
فهذا المنافق الذي يعيش في بيته ويسحب البطانية على رأسه ويستمر في نومه رغم أنه سمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، وسمع الصلاة خير من النوم، والله لو كان يعلم معنى الإيمان حقيقةً لقام واستجاب وأتى ولو حبواً على ركبتيه ويديه، لكنه لا يعلم، يعني أن الإيمان عنده فاسد.
(أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) وفي بعض ألفاظ الحديث: (ولو أن أحدهم يعلم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهد الجماعة) والمرماة هي: الضلع، والنبي صلى الله عليه وسلم يمثل بما هو في أذهان الناس، فإن في أذهانهم في ذلك الزمان الجوع والفقر، وعدم وجود شيء من الطعام، والضلع الواحد بما عليه من اللحم يشكل أكبر كرامة، ولو يعلم الشخص أن في المسجد ضلعين بلحمتها، (حسنتين) يعني عليها لحمة وشحمة لشهد الجماعة.
واليوم الناس أتخمت بطونهم من اللحوم، ولو علموا أن هناك طعاماً فلن يأتوا، لكن نقول لهم بما يحبون: فلو قيل لكم من يشهد صلاة الفجر في جماعة يأخذ رقماً من البلدية ويأخذ منحة أرضية، والذي يأتي الأول يأخذ الأول، ويأخذ المواقع الجيدة على الشوارع الجيدة، ما رأيكم هل أحد ينام ذاك اليوم؟ بل والله ينامون في المسجد، ويتنازعون على الصف الأول والثاني، وكل واحد ينام في مكانه، وكل ذلك من أجل حب الأراضي والدرهم والدينار الذي دخل في قلوبنا.
لكن حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحاول.
قال تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]، ولذا لا يقوم الإنسان المنافق لصلاة الفجر، ربما يصلي المغرب؛ لأنه آتٍ من التمشية، وربما يصلي الظهر؛ لأنه أدركه في الدوام، وهي فرصة للتخلص من العمل قليلاً، يعني: يمضي وقتاً، لكن العور يظهر في صلاة العصر وصلاة الفجر، ولذا رتب النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة، فقال: (من صلى البردين دخل الجنة) والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، والبردين برد النهار: العصر، وبرد الليل: الفجر، وقد جاء الأمر بهاتين الصلاتين في القرآن على وجه الخصوص، ففي العصر يقول الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] رغم أن الوسطى من الصلوات لكن التأكيد عليها لوحدها لدليل أهميتها، ويقول في الفجر: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي) ومعنى في ذمة الله: أي في عهد الله وأمانته، بمعنى أنك إذا مت في ذلك اليوم وأنت في ذمة الله لا يدخلك الله النار.
كيف يعذبك وأنت في ذمته؟ (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، ومن مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله بنور ساطعٍ يوم القيامة) (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ونعرف هذا في واقعنا الآن، تجد مسجداً في أحد الأحياء يصلون صلاة المغرب ستة صفوف، أو سبعة وفي الفجر يصلون صفاً، ما بالهم؟ قد يقول أحد الناس نوم، نقول: لا.
ليس نوماً، ما بالهم في رمضان لا ينامون؟ أفي رمضان ينامون عن السحور؟ والذي ما عنده ساعة ألا يذهب ويشتري ساعة؟ والذي ما عنده منبه تراه طول الليل يتقلب وعينه على الساعة، متى سوف تأتي الساعة الثالثة والنصف ويقوم يتسحر، لماذا؟ يخاف أن يصبح دون طعام، فيصوم بدون سحور، وتعتبر كارثة عند الشخص، إذا طلع عليه النهار ذلك اليوم ولم يتسحر، يقوم كأن الدنيا قد خربت، ما بالك؟ قال: طلع النهار علينا، وما أكلنا، ويذهب إلى الدوام مهموماً، وزوجته مهمومة، وأهله مهمومون، لكن هل يحصل له هذا الشعور إذا قام يوماً من الأيام ولم يصلِ الفجر في الجماعة؟ أبداً.
طبيعي، لا يفكر أن يصلي في المسجد جماعة، ولهذا كانت الفجر مقياساً وضابطاً من ضوابط الإيمان.
صلاة العشاء والفجر في جماعة المسلمين في استمرار لا يوفق لها إلا مؤمن، ولا يحرمها ويتكاسل عنها إلا منافق، أعوذ بالله وإياكم من النفاق.
فقلت للأخ الكريم هذا ضابط، قال: عرفت أنني لست بمؤمن ولهذا إن شاء الله من غدٍ، أصلي الفجر؟