أين تجلس الأمة؟ ألا يوجد في البيت حلقات علم ألا يوجد في العمل حلقات علم، ألا يوجد في المسجد حلقات علم، قولوا لي أيها إخوة: من هو المسلم الذي في كل ليلة بمجرد أن ينتهي من العشاء، ينادي زوجته وأولاده وبناته، ثم يقول: اجلسوا، وقام بإحضار كتاب رياض الصالحين، ليعرفوا ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم الحديث الأول وقال لهم: احفظوه كلكم بالشرح، قالوا: ننام على الحديث، أين هم هؤلاء أيها الإخوة؟ إن شاء الله يكن لهم وجود ولكنهم قلة، نحن لا نريدهم قلة بل نريدهم أغلبية، نريد حلقات العلم تنتشر في كل صقع، وبقعة، وبيت، ودار، وعمل، أين الزميل الذي يرفع السماعة على زميله: السلام عليكم، صبحك الله بالخير، كيف حالك يا أخي، يا أخي والله البارحة قرأت حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم، إنه حديث عظيم، اسمع هذا الحديث ثم يقرأه عليه، وذاك يسمعه ويسجله، ويرفع السماعة لشخص آخر ويسمعه الحديث.
لكن للأسف فإن الذي يحصل الآن السلام عليكم، هل رأيت الفيلم ليلة أمس؟ الله! نهاية حزينة للبنت، مسكينة، والله يا أخي لقد توترت أعصابي، وما جاءني نوم ليلة أمس، والمرأة والأولاد يبكون، هذا والفيلم كله كذب في كذب، أصل المسلسل هذا تمثيل، ما معنى تمثيل؟ يعني: كذب، عندما آتيك وأتظاهر لك بأني معوق.
تقول: ما بك إنك تمثل، وتضحك عليَّ، أنا أعرفك ليس فيك شيء، فكذلك هذا الممثل، يضحك على عقول الناس، ويجلس الواحد مشدود الأعصاب طوال الليلة.
إنه كاتب روائي كذاب فعل القصة، وأتى بكذابين، وقال: طبقوها في الواقع، وظلوا شهرين يتدربوا عليها وجاءوا يضحكون على الناس، أفتكون ثقافتنا إلى هذه الدرجة الهزيلة؟ وهل أتتلمذ على هؤلاء؟! مصيبة أيها الإخوة!! فبدلاً من المسلسل الذي تجلس تنظر إليه، قم بإحضار رياض الصالحين، فإذا انتهيت من رياض الصالحين أو قبل ذلك تناول الكتاب الكريم، ثم قل: تعال يا ولدي اقرأ لنا من قول الله عز وجل: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:1 - 3].
هذه السورة احفظ منها ثلاث آيات، وأنا أحفظ منها ثلاث آيات، ثم قم بإحضار تفسير ابن كثير، أو إحضار أيسر التفاسير للجزائري، وتأمل ماذا يقول الله في هذه الآيات؟ ما معنى: (والفجر)؟ معناها: يقسم الله بالفجر.
ما هي الليالي العشر: أهي العشر من ذي الحجة، أم العشر الأخيرة من رمضان؟ (والشفع والوتر) ما هو الشفع والوتر؟ لو تسأل الآن أطرف شخص من المسلمين تقول: ما معنى قول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:1 - 3] كم قد قرأنا هذه السورة؟ قرأناها آلاف المرات، ما معنى غاسق إذا وقب؟ من يدري ما معنى غاسق، وما معنى وقب، لماذا؟ لكن لو سأله عن أي سؤال آخر فإنه قد يجيب، أفيليق هذا -أيها الإخوة- بالأمة، أمة الإسلام والإيمان، الله تبارك وتعالى سيسألنا عن هذا الدين، الله يقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93].
ويقول في آية ثانية: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:6] ويقول عز وجل: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] سيسألنا الله عن هذا الدين، وسيشكونا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله يوم القيامة: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30] القرآن مهجور في قلوب الناس وحياتهم، مهجور هجر تلاوة، وتطبيق، وعمل، واستشفاء، والتحاكم والرجوع إليه، وموجود هناك في البيوت من أجل البركة، وإذا قرأ الواحد في المسجد قرأ قراءة لا يدري ما أولها وما آخرها.
تدخل يوم الجمعة المسجد، تجد الناس يقرءون، لكن قف عند واحد وأغلق المصحف، وقل له: السلام عليكم كيف الحال؟ أنت تقرأ جزاك الله خيراً، فإني سائلك ماذا أمرك الله به، من حين بدأت القراءة إلى الآن ما هي الأوامر التي أمرك الله بها في الآيات التي قرأتها؟ يقول: لا أدري.
ما الذي نهاك الله عنه؟ ما الذي أخبرك الله به؟ لأن القرآن ثلاثة أشياء لا يخرج عنها: إما أمر، أو نهي، أو خبر.
أما أمر الله فمثل قوله: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام:72].
أو نهي: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء:32].
أو خبر: يخبرك الله عن الجنة، أو النار، أو الأمم، أو الرسل، أو الأنبياء.
هذه أخبار الله.
فمقتضى الأمر الاستجابة، ومقتضى النهي الابتعاد والانزجار، ومقتضى الخبر التصديق، فأنت تقرأ كلام الله، وفيه أمر الله لكن لا تعلم ما الذي أمرك به، لماذا؟ لأنك تقرأ بدون قلب، الواحد يقرأ وهمه آخر السورة متى ينتهي منها، يعد الورق، ليس همه أن يعلم ويتعلم، همه آخر الجزء، هذه الأمور أيها الإخوة! أمور خطيرة جداً، لا بد أن نراجع حياتنا وحساباتنا، وكيف نتعلم العلم الشرعي، حتى تحيا به هذه القلوب.