فأنتم أيها الإخوة! في جميع النعم؛ النعم المادية، والنعم الدينية؛ المادية هي ما تعرفون، والدينية هي هذه الندوة، هذه الجلسة، لا يوجد في كل قرى عسير وشهران وقحطان مثل هذا الدرس، ففي المدن نعم؛ في أبها والخميس، لكن البلدان الأخرى لا يوجد، ويسر الله لكم من أبنائكم من يأتون ويطلبون من العلماء، ووالله لقد خجلت كثيراً من كثرة إلحاحهم عليّ حتى خفت من الله، وأنا لا أرفض المجيء لأني مستغن عن الله؛ ولكن لأني مشغول ومرتبط كثيراً، حتى إن صوتي انقطع في بعض الظروف، ولكن من خجلي من هؤلاء الشباب وهم يأتون، كأنه يطلبني صدقة! يلح عليّ يقول: اتق الله، اتق الله، لابد أن تأتي فأخجل وآتي، وأقول: بارك الله في هؤلاء الشباب، وجزاهم الله عنا وعنكم وعن الإسلام خيراً، ونسأل الله أن يزيدهم؛ لأنهم نور، هؤلاء أنوار في قريتكم، والنور ما يسير بعده إلا النور.
لكن ما ظنكم لو أن هؤلاء الشباب في المخدرات، أو في الزنا والخمور واللواط وفي الشرور، وجلبوا عليكم الشر والفساد، وأصبح الواحد في المجلس إذا جلس لا يريد أن يقال له: يا أبا فلان، لماذا؟ لأن فلاناً في السجن والمخدرات أو خمار، أو زاني، أو قليل دين، والآن كثير منكم يفرح إذا كان في المجلس، وقالوا: يا أبا فلان، قال: نعم.
لماذا؟ لأن ولده كان على المنبر يخطب، ويدعو إلى الله، يبشر بدين الله، ما من هداية تحصل على يد هذا الولد إلا وكما هي في ديوان ولده فهي في ديوان أبيه مثله، لماذا؟ لأنه سبب فيه {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] قال العلماء: إن الولد من سعي أبيه، وإن جميع حسنات الولد مثلها لأبيه إذا رباه على الدين، فلتفرحوا بهذا الخير، ولتؤيدوهم وتناصروهم وتأتون، ماذا يوجد من المغرب إلى العشاء؟ ماذا نعمل في البيوت إذا لم نأت؟ بعض الناس يقول: أقعد من المغرب إلى العشاء؟! وأين تذهب، إذا لم تجلس هنا أين تذهب؟ ما الذي يشغلك؟ لقد أراحك الله يا أخي! كان الناس في الماضي فعلاً لا يدخلون بيوتهم بعد المغرب إلا وقد تكسروا؛ الذي يرعى من وقت شروق الشمس إلى غروبها، أو على البئر من شروق الشمس إلى غروبها، أو يقطع أو يحطب، والآن ماذا معك من شغل؟ نائم من وقت شروق الشمس إلى غروبها، وإذا كنت موظفاً تأتيك النقود من الدولة وأنت جالس على كرسي، إذا تعبت وقعت وانصرفت.
بعض الناس يقول: متعب، من ماذا؟! قال: من التوقيع، أو من كتابة معاملة، ويلف الورق ويضعها فوق بعضها، وبعضهم ريحه الله بأولاد صالحين وموظفين وليس عنده وظيفة فيأتونه بالخيرات وهو راقد، لا يرعى ولا يعمر ولا أي شيء؛ بل جالس، لماذا لا تستغل هذه النعمة؟ وإذا رأيت أنه يوجد درس مثل هذا الدرس وكان حتى في القرية الثانية فاذهب إليه، فكيف وقد جاء الله به إليك وأنت تترك ولا تأتي، هذا إعراض يا إخواني! الذي لا يأتي إلى مجالس الذكر خصوصاً مجلس الذكر في القرية فهو معرض، يجب أن تخصص هذا اليوم؛ ليلة الأحد من كل أسبوع لله، لا تعزم فيها ولا تنعزم، ولا تسافر فيها، ولو أن أحداً عزمك فقل له: معزوم، عند من؟ عند رب العزة والجلال، عند رب السماوات والأرض.
إذا أردت أن تعزم أحداً، لا والله! إن كنتم ستأتون فلتأتوا بعد العشاء؛ لأن عندنا ندوة، وإذا ربطت نفسك ببيت الله وبالذكر خلال حياتك -كل أسبوع تأتي هنا لتسمع- فاعلم بأن هذه حياة قلبك بإذن الله، لكن إذا أعرضت عن الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا} [طه:124 - 126] أتتك آيتنا إلى قريتك، وجئناك بالعلماء من كل وادٍ ومن كل مدينة، شرفوهم طلابكم ثم تركتم المجيء، ما ظنكم لو جاء أمر في ليلة الإثنين أن من حضر الندوة يصرف له بعدها مائة ريال، هل أحد يترك ولا يأتي؟! والله إنهم سيأتون من العصر، والذي لا يستطيع فسيأتي بالعصا، كل يدق الثاني: أنا الأول أنا الأول لماذا؟ لأن الصرف بالصف الأول؛ مائة ريال.
لكن ليس فيها مائة ريال، هل تدرون ماذا يوجد في هذه الجلسة؟ أعطيكم حديثاً في البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سيارة -أي: متجولة، تطوف حلق الذكر، أي: مهمتها البحث عن أماكن الذكر- فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله -مثل جلستكم هذه- حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل فيسألهم الله وهو أعلم: كيف وجدتم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يذكرونك ويسبحونك ويهللونك ويحمدونك، فيقول الله: ما وجدتموهم يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة) نسأل الله وإياكم الجنة، والآن، ماذا تريدون في هذا المجلس؟ ما تريدون إلا رضا الله، من الذي قادكم بالعصا، أو أخذكم بالقوة، ومن الذي سيعطيكم نقوداً بعد هذه الجلسة؟ ما جئتم إلا لله، وعملكم بإذن الله خالص لوجه الله، ترجون رحمة الله وتخشون عذابه، كل منكم يقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار.
(فيقول الله: وهل رأوا الجنة؟ قالوا: لا، ما رأوها، قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: لكانوا لها أشد طلباً وفيها رغبة، فقال الله: فما وجدتموهم يستعيذون بي، قالوا: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ -هل رأوا النار وما فيها من الأغلال والأنكال والسلاسل والحميم والسموم واليحموم- هل رأوا ما بها من العذاب؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً ولها خوفاً، قال الله عز وجل: أشهدكم أني قد غفرت لهم) اللهم إني أسألك من فضلك في هذه الساعة أن تغفر لنا ذنوبنا وذنوب آبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وجميع المسلمين.
يا إخواني: إن الله لا يعجزه شيء؛ الله كريم وفضله عظيم الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فطلبوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلت الإبرة في البحر وأخرجتها كم ينقص البحر؟ أينقص شيء؟ هل يدري البحر أنك أخرجت الإبرة؟ اذهب من طرفه وانظر ما نقص هذا البحر إن خزائن رحمة الله واسعة! فنحن إذا طلبنا الله عز وجل في مجلس يقول الله عز وجل -والحديث في صحيح البخاري: (أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال أحد الملائكة: رب! فيهم فلان بن فلان كثير الذنوب والمعاصي -ليس منهم؛ ليس من الصالحين والذاكرين لله- ولكن مر لحاجة فجلس، عرض قلبه لذكر الله- قال: رب! فيهم عبدك الفلاني ليس منهم، ولكن أتى لحاجة فجلس، قال الله عز وجل: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) حتى هذا الذي ليس من أهل الذكر، لكن لما لان قلبه لذكر الله وجلس غفر الله له، فهنيئاً لكم، وأرجو الله تبارك وتعالى أن يوفقكم للمحافظة والمداومة وأن يوفق شبابكم للمداومة ولو لم يجلس معهم أحد، ليس ضرورياً أن يمتلئ المسجد، حتى لا يقول أحد: ما جاء أحد، اجلس ولو لم يجلس معك إلا الأربعة العمدان هذه، اجلس واذكر الله في هذه الليلة، لو لم تكونوا إلا أربعة أو خمسة من الشباب، افتحوا كتاب رياض الصالحين، وتفسير ابن كثير، وصحيح البخاري، أو اقرءوا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب الفقه الإسلامي، تعلموا أمور دينكم ليلة في الأسبوع من بعد المغرب إلى العشاء، هذه ساعة تضيع على أكثر الناس، وكثير من الناس يضيعها في غير مصلحة؛ إما في كلام، أو علوم، أو جلسة، أو منادمة مع المرأة، أو عشاء، أو مشاهدة ما لا يرضي الله، أو سماع شيء مما لا يرضي الله لكن ساعة تقضيها في بيت من بيوت الله، وتخرج وقد غفر الله ذنبك، ورفع درجتك، وأعلى منزلتك خير لك من الدنيا وما فيها، هذه مقدمة.