الشيخ: ناصر بن مسفر الزهراني الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوة المؤمنون: نزولاً عند رغبة فضيلة الشيخ وبعض الإخوة في أن أشارك في هذه الليلة الطيبة، استجبت لهذه الرغبة سائلاً الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما نقول وما نسمع إنه على كل شيء قدير، وإن كان هذا المطلب وهذا العنصر بالذات الذي طلب فضيلة الشيخ أن أتحدث عنه هو أمر صعب وشاق، فمن هو الذي يستطيع أن يتحدث عن مخلوقات الله تعالى، وأن يلم بها، وأن يبين أسرارها، ومواطن الإعجاز فيها.
مخلوقات الله تعالى أعظم وأجل وأكبر من أن تحصى ومن أن يحيط بها إنسان:
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
عن أي شيء نتحدث أيها الأحبة! من مخلوقات الله تعالى؟ إن القرآن الكريم قد حثنا على التفكر في مخلوقات الله تعالى، وقد حثنا على التفكر في شيء يسير منها، لكي نستدل بهذا الجزء وبهذا القليل على الكثير الباقي من مخلوقات الله تعالى، فكان الحديث في القرآن الكريم عن أشياء وعن مخلوقات هي من أهم المخلوقات ومن أجلها ومن أعظمها، حثنا القرآن الكريم على التفكر في خلق السموات والأرض، وكم فيها من عبر؟! وكم فيها من أسرار من عظمة الله تعالى؟ وكم فيها من مواطن الإعجاز؟ أمرنا أن نتفكر في الشمس والقمر والليل والنهار والأرض والجبال، وفي مخلوقات الله تعالى للكائنات الحية، أمرنا أن نتفكر في الإبل، أمرنا أن نتفكر في أنفسنا، أشياء وأشياء كثيرة من مخلوقات الله تعالى حثنا القرآن على التفكر فيها.
لكن أيها الأحبة! -كما ذكرت- ما دمنا لن نستطيع الحديث عنها، فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، سنتحدث عن أمر واحد من مخلوقات الله تعالى لكنه من أعظم تلك المخلوقات، وأشدها تعقيداً، وإعجازاً، نتبين من خلاله سر العظمة والإعجاز، نتبين من خلاله عظمة الواحد الأحد سبحانه وتعالى؛ لأن التفكير ليس أمراً مقصوداً في ذاته، إنما الغرض من هذا التفكير أن نصل إلى الغاية، وهي معرفة الله سبحانه وتعالى، معرفة عظمة الله تعالى، معرفة هذا الخالق العظيم سبحانه وتعالى، لذلك سنتحدث عن أمر وهو قريب منا جداً، سنتحدث عن أمر نعرفه جميعاً، أتدرون عن أي شيء سنتحدث؟ سنتحدث عنا نحن، عن أنفسنا، عن خلقنا، عن الإنسان، استجابة لأمر الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] إنه حديث موجز وسريع ومقتضب، أشارك به في هذه الليلة في الحديث عن سر الإعجاز في خلق الإنسان، وحينما يتأمل الإنسان الآيات القرآنية التي تكلمت عن خلق الإنسان والله يجد العجب العجاب، ويجد فعلاً عظمة الله تعالى في خلق هذا الإنسان، هذا المخلوق العجيب، من يتصور أيها الأحبة! أننا نحن هذا الكائن الغريب؟! هذه الأجسام العظيمة، هذه العقول، هؤلاء البشر الذين يمشون على الأرض من يتصور أن أصل هؤلاء جميعاً هو من نطفة؟! بل من نطفة قذرة يتقزز الإنسان منها لو رآها على ثوبه، لو وقعت على ملابسه لتقزز الإنسان منها، كما قال الله تعالى: {مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة:8].
بل حتى القرآن أحياناً يذكر هذه الحقيقة على استحياء: {كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:39].
أدرى بنفسك، تعرف ماضيك، تعرف حقيقتك، (إنا خلقناهم مما يعلمون).