الولد أيضاً نعمة، لكن لا ينفع إلا إذا أصلحه الله هنا، فإذا رزقك الله ولداً صالحاً وربيته على كتاب الله وسنة رسوله، وعلمته القرآن مثل هذ الولد المبارك الذي قرأ أمامكم فهذا ينفع الله به، نسأل الله أن يثبِّته على الإيمان وجميع أبناء المسلمين.
وأنا أرجو أن يكون وقوف هذا الولد دعوة لكم يا من حضر في أن تعلموا أولاكم القرآن، إن هذا النموذج القرآني العظيم، الذي وقف أمامكم دعوة صامتة لكم، فلعلكم لديكم أولاد، بل بالتأكيد أن لديكم أولاداً، لكن هل أقرأتموهم هذه القراءة؟ هل ألحقتموهم بالمساجد؟ هل حرصتم على قراءة القرآن في المساجد كحرصكم على قراءة العلم في المدارس؟ ليس هناك شخص في بلادنا الآن إلا وهو يحرص كل الحرص على إلحاق ولده بالمدارس النظامية، حتى قبل السن القانونية، فبعضهم يأتي بولده وعمره أربع سنوات، يقول: سجلوه، اجعلوه مستمعاً، فيقولون: لا يجوز، النظام من ست سنوات فما فوق، فيقول: لا.
أرجوكم من فضلكم الولد مستعجل على الدراسة لماذا؟ هل حباً في العلم أو الدين؟ لا.
بل تعلم العلم لغير الدين، فيريد أن ينجح بسرعة من أجل أن يتخرج بسرعة، ويأخذ مرتبه بسرعة، أو يأخذ نجمة أو وظيفة بسرعة، الدنيا فقط، لكن هل جاء بهذا الولد إلى المسجد وقال للشيخ: علمه كتاب الله، وإذا غاب عن المسجد هل يغضب كما يغضب إذا غاب عن المدرسة؟ لا.
فلو غاب عن المدرسة لقطَّع جلده، ولكن في العصر تجده يقول: لا تذهب يا ولدي فلديك واجبات، هل واجبات الدنيا أهم من واجبات القرآن، هل حرص الإنسان على الدنيا أهم من حرصه على الدين؟ هذه مصيبة! علم ولدك القرآن، وأدخله مدارسه، فإنه قد جاء في الحديث: إن الرجل والمرأة يوم القيامة يكسوان حلة لا تقوم لها الدنيا، ضوؤها أعظم من ضوء الشمس، فيقولان: بم هذا يا رب؟ فيقال: بإقرائكما ولدكما القرآن.
هذه جائزة الأم المثالية التي تقرأ كلام الله، والتي تريد أن تقرأ كلام الله، وقد سمعت أنه يوجد هنا في هذا الحي المبارك مدرسة للنساء، وهي مدرسة لتعليم القرآن الكريم على كافة المستويات، ابتدائي للصغار، وبعد ذلك محو الأمية للنساء اللاتي لا يعرفن القراءة ولا الكتابة، وللمثقفات والمدرسات والجامعيات على كل المستويات، وما يلزم الشخص منا إلا أن يقول لزوجته أو ابنته: اذهبي إلى هذه المدرسة، وسجلي من بعد العصر إلى المغرب، وهذه نعمة في هذا الوقت الضائع، الذي تضيعه النساء في القيل والقال والتمشيات، وأذهب عند فلانة، وآكل مع فلانة! يأكلون لحوم البشر، ويذاكرون في الموضات والتقليعات والتفصيلات والكلام الفاضي، بل سمعت أن النساء الآن لهن اهتمام بالرياضة أعظم من الرجال، فكل واحدة معها لاعب مفضل، وإذا قيل لها: من لاعبك المفضل؟ قالت: فلان.
إذاً: لا نعيب على الرجال إذا لعبوا أو أحبوا الكرة؛ لأنهم يلعبون أصلاً، لكن المرأة ما علاقتها بالكرة؟! وهذه مصيبة والله يا إخوان، ما بقي إلا هذه! تضاربت امرأتان، قالت إحداهما: فلان أحسن، فقالت الأخرى: لا.
ذاك أحسن.
فلا حول ولا قوة إلا بالله! فإقراء القرآن للأولاد وللبنات وللزوجات فضيلة، والحجة قائمة والحمد لله، ففي كل حي بل في كل مسجد مدرسة لتحفيظ كتاب الله، ولكن لا نرى فيها أبناء الذوات والشخصيات، بل نرى فيها الصغار والضعفة من الناس، الذين يرجون بذلك وجه الله عز وجل، ولكن البقية مشغولون بغير دين الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون! فالولد نعمة إذا هداه الله في الدنيا، وبعد موتك لأنه سيدعو لك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث -ذكر منها-: وولد صالح) أي: ليس أي ولد، شرط، فإذا كان ولداً فاسداً ثم دعا لك رجعت دعوته على وجهه، كيف يدعو وهو فاسد؟ لا يشفِّعه الله إذاً، ولكن: (ولد صالح يدعو له).
فالمال نعمة بقيده، والولد نعمة إذا هداه الله تعالى.