إذا كنت نائماً وسمعت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر والجو بارد والفراش وثير والزوجة بجوارك جميلة، والمؤذن يقول: الله أكبر! والشيطان يقول: لا.
النوم أكبر، وهو لا يقولها لك لكنها في إحساسك وذهنك، ثم يقول المؤذن: الله أكبر، ثم يأتي الشيطان ويقول: الفراش أكبر، الزوجة أكبر، لا يزال هناك وقت!! ماذا يسمى هذا؟ أذان إبليس، وهذه إيحاءات الشيطان، فما موقفك؟ تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] إذا كنت نائماً وهذه الصراعات تتجاذب نفسك فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واقفز من فراشك كما يقفز الأسد، لا تقم بهدوء لأنك إذا قمت بهدوء يلحقك إبليس، والله إن بعضهم يلحقه إلى الحمام ويرده ليركب عليه ويبول في مسامعه؛ لأن الإنسان إذا نام عن صلاة الفجر كما جاء في الحديث: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل ينام الليل ولا يصلي الفجر في المسجد، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) أي لغمه، ما رأيكم في واحد لغمه الشيطان إلى مسامعه، كيف يصبح هذا؟ يصبح شيطاني، لأن الوقود من الشيطان، لا يسمع كلاماً طيباً ولا يتكلم كلاماً طيباً، ولا ينظر إلى طيب، لماذا؟ لأنه مزود بالوقود الشيطاني.
فأنت إذا كنت جالساً في فراشك وتتقلب وسمعت الله أكبر، فأول شيء تقوله بعد فتح عينيك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، أصبحت على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم، اللهم ابعثني إلى كل خير، واصرفني عن كل شر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قم كالأسد، وهنا تنحل عقدة، كما جاء في الحديث: (إذا نام العبد حضره الشيطان وعقد على ناصيته ثلاث عقد) ثلاثة أقفال حتى لا تصلي الفجر، ورباط مقيد لا يربط بهدوء، لا بل يربط ربطاً لا ينفك إلا بالأمور الثلاثة هذه قال: (فإذا ذكر الله وقام انحلت عقدة) يعني: انفك القفل الأول (فإذا دخل وتوضأ وخرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون انحلت عقدة ثانية) وينفك القفل الثاني، ولكن بقي واحد فانتبه، فإذا خرجت إلى المسجد وذكرت الله عند بابك وتقول حين تخرج: باسم الله توكلت على الله اعتصمت بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أبغي أو يبغى علي، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، اللهم ابعثني إلى كل خير، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، ومن أمامي نوراً، فتدعو بهذه الأدعية، ثم تذكر الله بأذكار الصباح إلى أن تصل المسجد، فتدخل المسجد وتقدم رجلك اليمنى وتقول: باسم الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، اللهم صل على محمد، ثم تأتي وتصلي ركعتي الفجر، ثم تجلس فتقرأ القرآن، ثم تصلي بحضور قلب، ثم تقرأ بعد الصلاة الأذكار النبوية المشروعة، ثم إن كنت من أهل جلسة الفجر، من أهل العمرة والحج التامة التامة فتجلس، وإن كنت من أهل التصفير والتحضير والنوم، فارجع ومعك خير وقد انحلت عقدك الثلاث، وتصبح عبداً في حفظ رب العالمين، كما جاء في الحديث الصحيح: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي).
معنى في ذمة الله أي: في عهده وأمانه، ولو عشت ذاك اليوم فتعيش مع الله، وإن مت فإلى الجنة، نعم، معقول يدخلك الله النار وأنت في أمانه وفي عهده وذمته، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله).
فالشيطان يمكر ببعض الناس الطيبين ويقول لهم: قوموا الليل، فإذا قاموا الليل رقدهم عن صلاة الفجر، وبال في مسامعهم، والله ما نفعك قيامك؛ لأن قيام الليل نافلة، وصلاة الفجر فريضة، وأعظم شيء تتقرب به إلى الله هو الفريضة.
(ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) أحب شيء إلى الله الفريضة، وبعد ذلك، عندما تحافظ على كل الفرائض تأتي وتتحبب إلى الله بالنوافل قال: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه) وهنا أصبحت العلاقة بينه وبين الله قائمة، إذا سأل أعطى، وإذا استغفر غفر له، وإذا استعاذه أعاذه (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه).
هذا العدو اللدود -الشيطان- عند ورود أمر الله عليك مباشرة تستعيذ بالله منه.
وعندما تأتي تخرج زكاة مالك فتعد الأموال ويأتي الشيطان، مثلاً: عندك مليون ريال، والمليون فيها خمسة وعشرون ألفاً، لا يأتي الشيطان ويقول: والله باقي بركة تسعمائة وخمسة وسبعون ألفاً، بل يأتي ويقول: خمسه وعشرون ألفاً، تخرجها كلها! هذه تشتري بها سيارة والله غفور رحيم.
فيجعل لك الكبير هو الذي تخرجه لله، والصغير هو الذي يبقى لك، لكنك إذا سمعت مثل هذا الإيحاء قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا عدو الله، وإذا دعيت للإنفاق في سبيل الله، مثلاً للجهاد وللمجاهدين الأفغان؛ لأن مساعدتهم ليست نافلة علينا بل واجبة، ليس لك خيار في مساعدة إخوانك الذين يواجهون الرصاص بصدورهم، ويلتحفون السماء ويفترشون الأرض، خاصة هذه الأيام، أنت الآن في بيتك مكيَّف بالمكيف، وعندك ثياب شتوية وملابس داخلية وعباءة والدفاية والزوجة، تخرج من البيت إلى المسجد كأنك من رجال الفضاء ما تجد الرياح إلى وجهك طريقاً، وبعد ذلك مملوء بالطعام، تدخل البيت على فراش ارتفاعه نصف متر، وتتقلب على هذا الفراش ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، وتتبطح من طرفه إلى طرفه، ولك إخوان يعيشون على قمم الجبال، والثلوج تقطِّع أبدانهم.
يقول لي أحد الإخوة الذين ذهبوا هناك: والله إنهم لا يلبسون إلا الثياب البيضاء التي نسميها نحن (لاس) يقول: والله إنها ملبدة بالثلج، وإن بعضهم لا يكاد يحرك يده أو أصابعه من البرد، ولكنه يذكر الله ومع الله، ثم ماذا يأكلون؟! يأكلون الرغيف الجاف، ينقعه في الماء ويدقه ويأكله، ولا فراش ولا ثلاجة ولا مكيف، ثم أين هو جالس؟! جالس تحت أزيز الطائرات والقنابل تنفجر عند رأسه، والمدافع ترميه وهو يزحف على بطنه حتى يذهب ويزعزع أعداء الله، وحق له ذلك والحمد لله، روسيا الدب الروسي الذي دمر العالم وأرهب واجتاح دولة المجر في ست ساعات، لكن تسع سنوات والمجاهدون الضعاف الذين لا يملكون شيئاً حتى السلاح إلا من أيدي أعدائهم ركع الروس على الأرض وانسحبوا صاغرين خائبين بسبب قوة الإيمان.
ولهذا نقول لجيوشنا ولحرسنا ولقواتنا: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] لا ينصرنا إلا الله، فلا نستطيع أن ننتصر على أعدائنا بقوة السلاح فحسب؛ لأنه يملك مثل ما نملك بل ربما أكفأ، لكن السلاح الفتاك الذي نملكه ولا يملكه العدو هو سلاح الإيمان، وإذا استعملنا هذا السلاح والله ما تقوم لنا الدنيا كلها بأسرها ولماذا؟ لأن الله معنا، ومن كان الله معه، فلا يهزم، يقول عمر رضي الله عنه في رسالته إلى قواد الجيوش الإسلامية، يقول: [والله إني أخشى عليكم من الذنوب والمعاصي أعظم مما أخشى عليكم من الأعداء، فإنما نقاتل بالله].
وأرسل نجدة إلى القعقاع بن عمرو وقال: [إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم] وكان القعقاع من العباد.
كان محمد بن مسلمة في المعركة ومعه محمد بن واسع إمام من أئمة العلم، فكان محمد بن واسع في الليل يقوم وفي النهار يدعو، فيقول محمد بن مسلمة: [والذي نفسي بيده! إن إصبع محمد بن واسع أعظم عندي في الجيش من ألف شاب طرير، ومائة ألف سيف شهير] يقول: ما أريد شباباً أقوياء وسيوفاً مع معصية وكفر وزندقة وإلحاد، هؤلاء لا ينصرهم الله، نقول لجيوشنا ولحرسنا ولقواتنا: عليكم بطاعة الله واحذروا من معصية الله، فإن المعاصي تنخر أديانكم، والذنوب تدمر إيمانكم، وبعدها لا يصبح لكم شرف الرباط في سبيل الله، لأنكم اليوم تعيشون أعلى درجة من درجات الجهاد وهو الرباط، أنتم على ثغور الدين، والمقدسات، تذودون بنحوركم عن دين الله عز وجل، فإذا احتسبتم النية لله وأصلحتم العلاقة بينكم وبين الله كنتم مرابطين في الدنيا، وإذا متم على الفراش أو بالشهادة أنزلكم الله منازل الشهداء، أما إذا عشنا على المعاصي والذنوب وأصبحنا مرتزقة، فقط همُّ الواحد منا الراتب في آخر الشهر، والثلاجة تكون مملوءة، والفلة مكيفة وجميلة، وبعد ذلك لا عبادة ولا صلاة، فهذا خزي ودمار وعار ولن ينصر الله الدين بمثل هذه الأشكال.