عندما بعث الله الرسول صلى الله عليه وسلم بالكتب والرسل إلى ملوك أهل الأرض، بعث برسالة إلى هرقل -عظيم الروم- وقبل أن يقرأها كان عنده علم بصدقه صلى الله عليه وسلم، ويعرف أيضاً أنه زمن خروج نبي، فأراد أن يتثبت فقال: هل من جماعته أو عشيرته أو قرابته أو من العرب أحد في تلك الديار موجود عندنا؟ قالوا: نعم.
فجاءوا بمجموعة من تجار العرب ومعهم أبو سفيان، فوضع أبو سفيان أمامه وصف البقية خلفه، وقال للذين معه: قفوا وراءه صفاً واحداً، وسوف أسأله أسئلة، فإذا كذب أشرتم إشارة تدل على أنه كذاب، يقول أبو سفيان: [والله لولا أنه يؤثر عني أني كذبت لكنت كذبت] لكن العربي لا يكذب حتى لو كان كافراً، فكيف يكذب وهو مسلم؟ ولقد أصبح اليوم المسلم لا يتمسك بعروبته ولا بإسلامه، فلقد أصبح أكذب شخص في الدنيا هو المسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لكن العربي وهو كافر، يقول: خشيت أن ينقل أو يؤثر عني أني كذبت، فوقف أمامه وجعل يسأله الكثير من الأسئلة، والشاهد من هذه القصة: أنه سأله في النهاية: هل جربتم عليه كذباً؟ فقال: لا.
فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ثم يكذب على الله! الكذاب كذاب على الناس وعلى الله، والكذاب كذاب من يوم يولد وهو يكذب ويتعلم الكذب ولا يصل إلى الأربعين سنة إلا ومعه شهادة الكذب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف الكذب في حياته، أي: ما كذب كذبة صغيرة ولا كبيرة، لا في جاهليته ولا قبل البعثة ولا بعدها، صلوات الله وسلامه عليه، ثم يكذب بعد أربعين سنة؟! لا.
ما كان ليكذب صلى الله عليه وسلم، ولما نزل قول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] صعد على الصفا ودعا بني هاشم وبني عبد المطلب وقال: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعاً ما كذبتكم) ثم قال: (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً قط -معروف أنك صادق، أو بعد أربعين سنة تكذب؟! - قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديد) قالوا: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟! قالها أبو لهب، فأنزل الله فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1].
فلم يكن عندهم شك في صدقه صلى الله عليه وسلم، ولكنه العناد والإباء والرفض والاستكبار من هم؟ كفار مكة ومشركوها.