وقد سمعت في قراءة الإمام -جزاه الله خيراً- القسم بالمرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات، وهي الرياح والملائكة يقسم الله بها على شيء هو أن هذا الوعد كائن: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:7] أي: إنما توعدون من الجزاء والنشور والبعث والحساب، ودخول أهل الإيمان إلى جنات الرضوان، ودخول أهل الكفر والفسق والفجور والعصيان إلى النيران: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:7].
ويبين الله عز وجل حالة الكفار والمنافقين والمكذبين حينما يوقفون في عرصات القيامة ليس معهم شيء مما أشغلهم في هذه الدنيا من منصبٍ أو ولد أو مالٍ أو زوجة أو غير ذلك، ثم يقال لهم على سبيل التهكم والاستهزاء: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المرسلات:29] يعني: اذهبوا وانظروا الشيء الذي كنتم تكذبون به وهو النار: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31] أي: ظل دخان النار، وظل لهب جهنم (لا ظليل) أي: ليس تحته ظل ولا يمنعك من النار، ولا يغني عن اللهب: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات:32] الشرارة الواحدة كالقصر العظيم.
كأنه في تتابعه وتطايره جمالت صفر، قيل معنى جمالة: حبال السفن الغليظة بعضها يكون كغلظ الإنسان، وقيل: بمعنى الإبل، {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} [المرسلات:35] أي: ممنوع المراجعة، وممنوع الاستعتاب والتلطف والرجاء والاعتذار {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:36 - 37] الله أكبر! ويل لهم والله ثم ويل لهم! ويكرر الله هذه الكلمة مرات ويل يومئذ للمكذبين، ويل لهم حينما أخطئوا طريق الله، ويلٌ لهم حينما عرضوا أنفسهم لعذاب الله، ويلٌ لهم مع ضعفهم وقلة حيلتهم يوم يقفون عراةً حفاةً غرلاً بين يدي الله، لا يمنعهم من الله أحد.