المجتمع في نظر الإسلام كالجسد، والحديث في هذا صريح صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) المجتمع المسلم كالجسد الواحد إذا فسد فيه عضو لا نرحمه؛ لأن فساده سوف يؤدي إلى فساد العضو الذي بجانبه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم إذا استمر المرض فسد الجسد كله، وبالتالي يصبح المجتمع فاسداً من أوله إلى آخره بسبب العضو الفاسد، لكن لو قطعناه من أول ما فسد لسلمت لنا الإصبع وسلمت الأصابع كلها، وسلمت لنا اليد، وسلم لنا الجسم كله في سبيل تضحيتنا بعضو من طرف بسيط من أطراف الأصابع وهو ما يحصل اليوم في المجتمعات الكافرة والمجتمعات التي لا تطبق شريعة الله يرحمون الجاني ولا يطبقون عليه شريعة الله، فماذا يحصل؟ يفسد هو ويفسد الذي بجانبه وينتشر الفساد، حتى غدت الجريمة في العالم أمراً سائغاً، وأمراً يمكن تصوره في أي حال من الأحوال.
في البلدان التي فيها أجهزة للرصد، وفيها رجال أمن متطورون، وأنظمة وآلات وليس فيها شرع الله، نسب الجرائم هناك لا يتصورها العقل، في كل دقيقة في ولاية من ولايات أمريكا، في شيكاغو مثلاً في كل دقيقة أربع جرائم قتل، أو مائتا جريمة سطو، آلاف جرائم سرقة، لماذا؟ لأنه ليس هناك حدود، وليس هناك شرع رباني، لو طبق نظام الله فلا نحتاج إلى هذا كله، مرة واحدة نقطع عضواً واحداً وبالتالي يسلم المجتمع كله.
وأذكر وقد ذكرت هذا اليوم أن لي قريبة أصيبت بمرض وهي تعمل في الحقل دخلت في إصبعها شوكة، ودخل مع الشوكة جراثيم وما عقمت وتساهلت فيها فانتفخت إصبعها بعد فترة وآلمتها كثيراً، وعالجوها في المستوصف في القرية بمرهم وحبوب (العلاج الأولي)، لكن انتشر المرض وما استطاعت أن تنام الليل، وجئنا بها إلى المستشفى العام في أبها، ودخل الطبيب الجراح وأشرف عليها وقال: لا بد من بتر إصبعها من المفصل الأول، وهذه بسيطة، قلنا: نحن موافقون، أتينا إليها فقالت: من أجل شوكة يقطع إصبعي! والله ما أقطعها! يا بنت الحلال الدكتور قال ذلك.
قالت: إنها ستشفى، فرجعت وظلت تستعمل علاجات آخرى ورفضت العلاج الذي فيه رحمة، فزاد المرض ورجعت، وأجري لها إشاعة وقالوا: انتقل المرض من الفصل هذا إلى المفصل الثاني وإذا تريدون نعالجها لابد أن نقطع من المفصل الثاني، قالت: والله لا أقبل، قلنا: ارجعي فرجعت، وانتقل المرض إلى المفصل الآخر، فقال الأطباء: تقطع من أصل الإصبع، هل ترضي قالت: لم أرض بالمفصل الأول كيف أرض بهذا.
فرجعت ومكثت مدة وانتقل المرض إلى المفصل الآخر وجئنا بها وأخيراً تدخلنا وقلنا لها: إذا انتقل هذا الداء إلى العظم فمن يوم يدخل في أول العظم ينتشر مباشرةً مثل النار في الهشيم، فرفضت، فقلنا: لا بد، وأخيراً قطعت من ذلك المكان، وكان بالإمكان أن تقطع من طرفها وتسلم، لكن الرحمة السطحية وعدم التعقل يجعل الفساد والشر ينتشر وبالتالي يقضي على الجسد كله.