يتقرر الآن في أذهاننا وعقولنا وقلوبنا ويخالط دماءنا ويسيل في عروقنا عقيدةً ثابتةً جازمةً، تتحول الجبال، وتزول من أماكنها ولا تتحول هي، وهي: أنه لا سعادة ولا حياة ولا إمكانية للإنسان في هذه الدنيا إلا بالإيمان.
إذا الإيمان ضاع فلا أمن ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا
هذه الأبيات قالها شاعر الإسلام محمد إقبال وهو يقول أيضاً في قصائده:
أرى الإيمان أدركه ذبول ولم تعد العزائم في اشتعال
وجلجلة الأذان بكل أرضٍ ولكن أين صوت من بلال
منابركم علت في كل حي ومسجدكم من العباد خالي
رحمه الله ورضي الله عنه.
لنعرف أيها الإخوة! أنه لا سعادة لنا إلا بالإيمان بالله، والعمل بشريعة الله، والسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسعد في الدنيا والآخرة، أما بغير ذلك فإنه الشقاء، والعذاب، والدمار، والنار، وفناء في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا، فالقلق والاضطراب والضياع -والعياذ بالله- والله مهما تمتع الإنسان بكل نعيم في الدنيا فإنه في عذاب، يقول الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] فإذا أعرضت عن دين الله وعن ذكره، فإن لك معيشة ضنكاً، والله لو سكنت في أعظم عمارة، وكنت في أعلى درجة فإنك في معيشة ضنكاً لماذا؟ لأنك أعرضت عن دين الله.
أما المؤمن: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].
بالمال تطمئن الجيوب، وبالأكل تطمئن البطون، وبالزوجات تطمئن الفروج، وبالملابس وبالسيارات تطمئن الأجساد، لكن القلوب لا تطمئن إلا بالإيمان فقط، بذكر الله، وبدين الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:28 - 29] (طوبى) قيل: الجنة، وقيل: الدنيا، و (حسن مآب): الجنة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو ألا يحرمنا وإياكم من ذلك.
الذين نظروا إلى الإنسان وعرفوا أنه مخلوق من هذين العنصرين، قالوا: الإيمان ضروري؛ لأنه غذاء لروحه، وكما قلنا: إن الهواء والماء والغذاء غذاء لجسده، فلا بد من غذاء للروح ليعيش الإنسان.