فإذا دفع من مزدلفة بعد أن يصلي الفجر ويسفر يدفع وهو يلبي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) وإذا تيسر له أن يسرع المشي في وادي محسر وهو مجرى الماء، مجرى الشعيب الذي بين منى ومزدلفة فليفعل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسرع السير فيه، فإذا وصل إلى منى فليكن أول ما يبدأ به رمي جمرة العقبة، يرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، فيقول: الله أكبر، وكل حصاة منها أكبر من الحُمُّصِ قليلاً، ثم ينصرف إلى المنحر فينحر هديه.
ثم يحلق رأسه أو يقصر، والمرأة تقصر، والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة، بعد أن ألح الصحابة عليه أيضاً، وبهذا يحل التحلل الأول، فيحل من كل محظورات الإحرام إلا من النساء، وعلى هذا فإذا رمى ونحر وحلق خلع ثوب الإحرام ولبس ثيابه المعتادة، وتطيب وقلم أظفاره وأزال الشعر الذي تسن إزالته؛ لأنه حل من كل شيء إلا من النساء، ثم بعد هذا يتطيب، يعني: يسن أن يتطيب ليطوف بالبيت، وينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وهو: طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة سعي الحج وبهذا يحل التحلل كله، ثم يرجع إلى منى فيبيت فيها.
أظن أنه اتضح لنا أن الإنسان يفعل يوم العيد خمسة أنساك: أولها: رمي جمرة العقبة، والثاني: النحر، والثالث: الحلق أو التقصير، والرابع: الطواف، والخامس: السعي، والأفضل أن يرتبها هكذا، فيبدأ بالرمي، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي، وإن قدم بعضها على بعض فلا حرج عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج).
ويبيت في منى اليلة الحادية عشرة واليلة الثانية عشرة، وينبغي له أن يستغرق الوقت في الذكر وقراءة القرآن والعلم والأشياء النافعة؛ لأن هذه أيام فاضلة لا ينبغي أن تذهب عليك سدىً.
وإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر رميت الجمرات الثلاث؛ تبدأ بالأولى فترميها بسبع حصيات متعاقبات، تكبر مع كل حصاة، ثم تتقدم قليلاً وتجعلها خلف ظهرك، ثم تقف وترفع يديك فتدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، وقد جاء في بعض الروايات أنه بقدر سورة البقرة، فإن تيسر لك هذا وإلا كفى ما تيسر، ثم ترمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات تكبر مع كل حصاة، ثم تنحدر على اليسار وتقف مستقبل القبلة رافعاً يديك تدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم ترمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات ولا تقف عندها.
تفعل هذا الرمي في اليوم الحادي عشر وفي اليوم الثاني عشر، ثم إن شئت بعد رمي اليوم الثاني عشر أن تبقى في منى فتتأخر فلك ذلك، وإن شئت أن تنزل وتتعجل فلك ذلك؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203].
نعود الآن لننظر ماذا يكون في منى؟ يكون في منى المكث يوم العيد ويوم الحادي عشر ويوم الثاني عشر، لكن لك أن تخرج من منى في آخر اليوم الثاني عشر، والمكث فيها ليلاً ونهاراً هو السنة، ولكن يجوز لك أن تخرج من منى في النهار وترجع فتبيت فيها، والمراد أن تبيت معظم الليل، ولكن لا تفعل كما يفعل بعض الناس اليوم، تجده إذا نزل يوم العيد إلى مكة وطاف وسعى ذهب إلى بيته واشتغل بترفه وكأنه غير حاج، فإذا قارب نصف الليل خرج إلى منى وبقي فيها حتى يصلي الفجر ثم رجع إلى بيته، هذا في الحقيقة ليس حجاً على صفة ما حج عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، بل النبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى ليلاً ونهاراً، والمسألة ما هي إلا يومان أو ثلاثة أيام فقط، فاصبر نفسك حتى تحج كما حج النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا أردت أن تخرج من مكة إلى بلدك فلا تخرج حتى تطوف للوداع، وهو واجب على كل من خرج من معتمر وحاج إلا المرأة الحائض أو النفساء فليس عليهما وداع.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحجون حجاً مبروراً، وأن يجعل سعينا سعياً مشكوراً، وذنبنا ذنباً مغفوراً إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.