الوعيد الرباني لمانعي زكاة أموالهم

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم التي مَنَّ الله بها عليكم حيث لم تجدوها، فقد أخرجكم الله تعالى من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ولا تملكون لأنفسكم ضراً ولا نفعاً، ثم يسر لكم الرزق وأعطاكم ما ليس في حسبانكم، فاشكروا الله على هذا -أيها المسلمون- وأدوا ما أوجب الله عليكم في هذه الأموال لتبرئوا ذممكم وتطهروا أموالكم وتزكوا نفوسكم، واحذروا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، وإياكم والبخل بما أوجب الله عليكم فإن ذلك هلاككم ونزع بركة أموالكم.

أيها المسلمون: إن أعظم ما أوجب الله عليكم في أموالكم وأفضل ما أوجب عليكم هي الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران، قال الله عز وجل: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180] بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في قوله: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له شجاعاً أقرع -والشجاع الأقرع هي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها- له زبيبتان يطوقه يوم القيامة -والزبيبتان غدتان مثل الزبيب مملوءتان من السم القاتل- يأخذ بلهزمتيه -يعني: شدقيه- يقول: أنا مالك أنا كنزك) رواه البخاري.

وقال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35] قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان هذه الآية: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد) أخرجه مسلم.

[وحق المال هو الزكاة] كما قال ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

أيها المسلمون: إن النبي صلى الله عليه وسلم بين في هذا الحديث العظيم أنه لا يحمى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا، وإنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها، فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، وأنه إذا أحمي عليها لا يكوى بها طرف من الجسم متطرف، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية، الجباه من الإمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف، وأنه إذا كوي بها الجسم لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها ولكنها كلما بردت أعيدت فأحمي عليها في نار جهنم، وإن هذا العذاب ليس في يوم ولا في شهر ولا في سنة، ولكنه في يوم مقداره خمسون ألف سنة.

فيا عباد الله: إننا نؤمن بذلك إيماناً يقينياً كما نؤمن بالشمس أمام أعيننا، فيا من آمنوا بالله! يا من صدقوا بكتاب الله! يا من صدقوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها، وما فائدتها، إنها تكون نقمة عليكم وثمرتها لغيركم، إنكم لا تطيقون الصبر على وهج نار الدنيا، فكيف تصبرون على نار الآخرة.

فاتقوا الله عباد الله! وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم، وإنني أسأل: هذه الأموال التي بين أيديكم هل اكتسبتموها بحذقكم ومهارتكم أم أن الله عز وجل هو الذي ساقها إليكم؟! إننا نجد الرجل الحاذق الماهر الكيس فقيراً لا يملك شيئاً، ونجد الرجل الذي دونه في ذلك قد أغناه الله تعالى غناة واسعة.

إذاً ليست هذه الأموال من كسبنا ولا من حولنا وقوتنا ولكننا نحن سبب، نفعل الأسباب والرازق هو الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم -يعني في الغنيمة- والله معطٍ) فالمعطي والمانع هو الله عز وجل.

ففكروا -أيها المسلمون- في هذه الأموال، التي منّ الله عليكم بها هي أمر يسير بالنسبة لملك الله عز وجل، فلله ملك السماوات والأرض والله عز وجل لم يطلب منكم الزكاة لحاجته إليها، ولكنه طلب منكم الزكاة مبيناً فائدتها وحكمتها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015