لقد أعجبني -ورويت هذا من قبل- ما وقفت عليه حديثاً، حيث وجدت لأول مرة في حياتي وفي حجتي الأخيرة إلى البيت الحرام نسخة من كتاب: معجم الطبراني الأوسط، فانكببت على دراسته، فوجدت فيه فوائد بعضها ما وجدتها في ألوف المخطوطات التي قرأتها من كبير وصغير طبعاً، فقلت لصاحبي: اسمع هذا النص، فقد أنساه ولا تنساه.
فما هو النص؟ يقول الطبراني بإسناده الصحيح: عن عبد الله بن مسعود أنه كان في مجلس يعلم أحد الناس صفة التشهد الذي نعرفه اليوم جميعاً، فلما جاء عند قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ماذا قال المتعلم؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فماذا أجابه ابن مسعود؟ أجابه بأسلوب لطيف جداً -ونحن -كما قلت لكم في غير ما مناسبة- بحاجة إلى أن نتعلم هذه الأساليب فقال: [إنه لكذلك] ، الرجل ماذا زاد؟ زاد جملة: (وحده لا شريك له) فقال ابن مسعود: [إنه لكذلك، ولكننا ننتهي إلى ما علمنا] .
ووجدت عبارة أخرى -سبحان الله كلهم من مدرسة واحدة- وهي أن أحد تلامذة ابن مسعود سمع رجلاً يزيد زيادة أخرى في التشهد، فأكد له هذا المعنى على طريقة ابن مسعود، وقال له أيضاً-: [ننتهي إلى ما علِّمنا] ، فنحن المسلمين اليوم بحاجة إلى هذا الأدب؛ حتى نكون خاضعين فعلاً، ومستسلمين حقاً لله رب العالمين، فالتعليم في الصلاة كان: اللهم صلِّ على محمد، ثم الذين يزيدون هذه اللفظة لا يشعرون أن هذه الصلاة بما فيها من دعاء إلى الله ليصلي على الرسول كما صلى على إبراهيم، ويبارك عليه كما بارك على إبراهيم، فهذا يساوي هذه الفضيلة التي يريدها -إذا صح التعبير- المدخل لهذه اللفظة في الصلاة الإبراهيمية، أي: أن هذا الدعاء كله شرف وسيادة للرسول عليه الصلاة والسلام، والدعاء بالسيادة له في ذلك، فلماذا هذه اللفظة؟ وهذه الزيادة على الصلاة الإبراهيمية تشبه زيادة أخرى يقولها الناس اليوم إجابة للمؤذن، حيث يقولون: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة.
فلفظة: (الدرجة الرفيعة) ليس لها أصل، وذكرها هنا مع كونها ليس لها أصل في الحديث هو من تحصيل الحاصل؛ لأنه جاء في الحديث الآخر: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول، ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة) إذاً: حين تقول: آت محمداً الوسيلة والفضيلة، ما هي؟ هي الدرجة الرفيعة في الجنة، فإذاً هذا حشوٌ في الكلام مع مخالفة النص، ولا تفهموا مني بطبيعة الحال أنه لو كان هناك زيادة فيها معنى حسن جميل أننا نستحسن الزيادة على تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ليس بعد تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام تعليم لأي إنسان.
وبهذا القدر الكفاية، والحمد لله رب العالمين.