أردت أن أختم الكلمة بهذا الحديث، لكني تذكرت أنه كان في جملة السؤال المطروح: أن هؤلاء الأحباش ينكرون في جملة ما ينكرون اليد التي وصف الله عز وجل نفسه بها، ويقولون: اليد جارحة سبحان الله! وهم يتكلمون عن أنفسهم، فكيف يقولون في اليد التي ذكرها الله: إنها جارحة؟ هؤلاء من أجهل الناس إن لم يكونوا من أضل الناس؛ ذلك لأنهم يقيسون الغائب على الشاهد، بل يقيسون غيب الغيوب وهو الله تبارك وتعالى على أنفسهم، هذا في منتهى الحماقة إن لم يكن في منتهى الضلال! نحن نجاريهم جدلاً لا عقيدة، وحاشا أن نشاركهم في عقيدتهم، نقول لهم: الله ذات متصف بصفات الكمال، هل تقولون معنا؟ لا بد أن يقولوا: نعم.
أو يقولوا: لا.
فإن قالوا: لا.
فذاك هو الذي يدل على ضلالهم، ويؤكد ما هم فيه، فلا كلام لنا معهم؛ لأن الكلام حينئذٍ يكون مع الزنادقة، والمفروض أننا نتكلم مع مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون وإلخ، فإذا قالوا: نحن معكم بأن الله عز وجل ذات له كل صفات الكمال، فإذا قالوا هذه الكلمة فقد تناقضوا حينما قالوا: الله ذات وله صفات، وأنت أيها المتكلم بكلام علماء الكلام حينما تقول: اليد جارحة، هذه الجارحة بالنسبة لذاتك؛ فهل ذاتك كذات الله أو ذات الله كذاتك؟ ستقول: حاشا له! ذاته ليست كالذوات، وبالتالي صفاته ليست كسائر صفات المخلوقات.
إذاً: انتهت المشكلة، يقال في الذات ما يقال في الصفات، ويقال في الصفات ما يقال في الذات، إيجاباً وسلباً، الله ذات، له كل صفات الكمال، ومنزه عن كل صفات النقص، ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] فهو سميع وبصير؛ لكن سمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، ولا بد لهؤلاء المجادلين بالباطل، والمتسترين بكلام ظاهره حق وباطنه باطل، لا بد لهم أن ينكروا كل صفات الله عز وجل لماذا؟ لأن وصف الله بهذه الصفات في الغالب فيها اشتراك لغوي ليس حقيقياً معنوياً، الله عز وجل قال عن آدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] ووصف نفسه بأنه سميع بصير فقال: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، فعلى طريقة هؤلاء الأحباش وأمثالهم من المعطلة لا بد من أحد شيئين: إما أن نقول: إن الله ليس كما قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] لأنه قال في آدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] أو أن نقول: لا.
هو كما وصف به نفسه، لكن قوله في آدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] ليس كذلك، فلا بد من تعطيل أحد الوصفين: إما ما كان منهما متعلقاً بالله عز وجل، وهذا كفر، وإما ما كان متعلقاً بوصف الله لآدم عليه السلام بأنه جعله سمعياً بصيراً، فهذا إنكار، وهو أيضاً كفر، وهم دائرون ما بين كفر وكفر، وذلك عاقبة من لا يتبع السلف الصالح، ولذلك قيل:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
فنوصي الحاضرين جميعاً ألا يصغوا لعلماء الكلام ولا لأذنابهم، وعليهم أن يعرفوا عقيدة السلف؛ ليكونوا -إن شاء الله- مهتدين، والحمد لله رب العالمين.