يأتي هنا أن نقول لهؤلاء الأحباش وأمثالهم من المنحرفين عن عقيدة السلف الصالح: إن الله عز وجل فوق العرش، استعلى بنص القرآن الكريم وتفسير السلف الصالح، هأنتم تقولون: إن الله ليس في مكان، فهل يجوز للمسلم أن يقول: أين الله؟! هنا ينكشف البرقع عن هؤلاء المتسترين بتنزيه الله عز وجل عن المكان المخلوق، لكننا نسألهم: هل الله عز وجل في السماء؟ علماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سن لنا -نحن معشر المسلمين، المتبعين للكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح- هو الذي سن لنا أن نسأل من نشك في إيمانه بالله عز وجل: أين الله؟ وبالتالي سن لنا الجواب أن نقول: الله في السماء، لكن هذا لا بد أنه بحاجة إلى شيء من البيان -أي: حينما نقول: الله في السماء- وهذا سأقوم به -إن شاء الله- بعد أن أذكر إخواننا وأخواتنا الحاضرات بحديث أخرجه الأئمة في كتبهم، واتفق علماء الحديث، وعلماء التفسير، وفقهاء الأئمة الأربعة وغيرهم على صحة الحديث التالي، وقد أخرجه من أهل الحديث الإمام مسلم في صحيحه، ومن قبله الإمام مالك في موطئه، ومن بعده الإمام أحمد في مسنده، وغيرهم كثير وكثير جداً ممن تبعوهم بإحسان، ذلك الحديث هو ما جاء بالسند الصحيح عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه: (أنه صلى يوماً وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فعطس رجل بجانبه فقال له وهو يصلي: يرحمك الله، فنظروا إليه بأطراف أعينهم مسكتين له) لكن يبدو أنه كان حديث عهد بالإسلام ومعرفة الأحكام المتعلقة بالصلاة؛ ولذلك فقد ضاق بهم ذرعاً حينما رآهم ينظرون إليه نظرة تسكيت له- (فقال رافعاً صوته: واثكل أمي! ما بالكم تنظرون إلي؟! فأخذوا ضرباً على أفخاذهم) أيضاً يتابعونه بالإسكات، فحينئذٍ كأنه تبين أنه على خطأ، فذكر من هديه عليه السلام ولطفه معه قال: (فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أقبل إلي، فوالله ما قهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، وإنما قال لي: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد) .
ولما وجد الرجل هذا اللطف -وكل شيء من معدنه جميل، فهو الذي وصفه رب العالمين في القرآن الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] حينما وجد منه هذا اللطف في التعليم؛ طمع أن يزداد علماً بعد أن عرف أنه أخطأ في الصلاة وتكلم ولا يجوز له الكلام، فقال: (يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون.
قال: فلا يصدنكم، قال: إن منا أقواماً يأتون الكهان.
قال: فلا تأتوهم، قال: إن منا أقواماً يخطون بالرمل ... ) وضرب الرمل معروف، وهو إلى اليوم مع الأسف، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه خطه فذاك) والشاهد الآن يأتي، وما مضى يحتاج إلى محاضرة بل وأكثر من محاضرة، ولكن الشاهد هو ما سيأتي الآن (قال: يا رسول الله! لي جارية ترعى غنماً لي في أحد، فسطا الذئب يوماً على غنمي، وأنا رجل أغضب كما يغضب البشر، فصككتها صكة وعليَّ عتق رقبة.
فقال عليه الصلاة والسلام: هاتها، فلما جاءت قال لها عليه الصلاة والسلام: أين الله؟ قالت: في السماء.
قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.
قال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة) هذا الحديث اتفق علماء المسلمين على اختلاف تخصصاتهم؛ من علماء الحديث -وهذا تخصصهم- وعلماء التفسير، والفقه، والتوحيد، كلهم اتفقوا على تصحيح هذا الحديث، إلا علماء الكلام الذين يركبون رءوسهم ويتبعون أهواءهم، فهم الذين يردون هذا الحديث بعقولهم التي عرفتم أنها لا قيمة لها.