Q ما الرد على من يتأول قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] فسيقول: سبيل المؤمنين هو الكتاب والسنة؟!
صلى الله عليه وسلم هذا ما أشرت إليه آنفاً رجع الأمر إلى أنه لا فرق بين واقع الآية وبين ما لو كانت: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى) .
هذا لغو يترفع الكلام الإلهي عن أن ينسب إليه، ليس في القرآن كلمة فضلاً عن جملة -كهذه الآية (ويتبع غير سبيل المؤمنين) - إلا وضعت لقصدٍ وغاية عظيمةٍ جداً.
وهذا من جملة التآويل التي لا تنتهي، ولنسمها بالاسم الصحيح: من جملة التعطيل الذي يوصف به المعطلة في الصفات، ثم ماذا يقولون فيما إذا فعل بعض الصحابة فعلاً؟ انظر الآن كيف ينكشف ضلال هؤلاء من جوانب عديدة وكثيرة جداً جداً، ماذا يقولون فيما إذا جاء عن بعض الصحابة قولٌ أو فعل أو فتوى لا تخالف الكتاب والسنة؟ أيأخذون بها، أم يقولون: نحن رجال وهم رجال؟ ماذا تظن فيهم؟ السائل: لا يقولون: نحن رجال وهم رجال، لكنهم يقولون تأدباً: إن الفهم الذي فهمناه هو الفهم المطلوب، والفهم الذي تلزمنا إياه هو فهمك الذي تلزم به نفسك فقط.
الشيخ: حِدتَ عن الجواب! ما موقفهم بالنسبة لما فعله الصحابة من فعل أو ما أصدروه من فتوى، هل يتبنون هذا الفعل أو هذه الفتوى، أم يقولون: نحن رجال وهم رجال؟ السائل: يقولون: واقعنا أو حال المعصية التي بين أيدينا، والظاهر الذي نراه بين أيدينا ليس كما تصوره سلف الأمة الأوائل.
الشيخ: الله أكبر! يعني يؤثرون فهمهم على فهم أولئك؟ السائل: نعم.
الشيخ: وما معنى: (ما أنا عليه وأصحابي) أيضاً لا بد من تحريفه؟ السائل: قال الشيخ سفر: المجتمع الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صحابة مؤمنون كثيرو الإيمان كالبحر، لو أخطأ أحدهم -وإن لم يقصد- فإن هذه القطرة لا تؤثر في البحر، بينما من دونهم قد يتكلم أو يفعل وعنده ماء قليل -يمثل الإيمان بالماء- لو قطرت فيه قطرة نجاسة لوثته ونجسته وأصبح غير قابل للطهارة أو للتصفية.
الجواب: كلام شعري جميل، لكنه حَيْد عن الجواب، وأعيد عليك السؤال، أنا لا أسأل عن الفرق بين خطأ الأولين والآخرين حتى يأتي هذا الجواب بهذا الكلام الشعري الجميل، إنما أنا أسأل: إذا فعل بعض الصحابة فعلاً أو أفتوا بفتوى وليس هناك في الكتاب والسنة ما يخالفهم هل نؤثر فهمنا نحن على فهمهم، أم نتنازل عن فهمنا لفهمهم؛ لأنهم أطهر قلوباً، وأغزر علماً، وو إلى آخره، ما هناك من صفات معروفة جداً؟ لعل السؤال واضح، ولعلي أحظى بالجواب هذه المرة.
السائل: الجواب هو نفس القول في المسألة الثانية: أنهم هم أولى منهجاً وفهماً من غيرهم، لكن التأويل أبى إلا أن يكون الأول، والحق أن هؤلاء أولى منهجاً وفهماً.
الشيخ: أنا لا أسألك عن رأيك وإنما أسألك عن رأيهم هم.
السائل: جوابهم التالي: لكن التأويل يأبى إلا بالتقصيد أو أو أو.
إلخ، يتنزهون ويتأدبون أن يجيبوا عن هذا السؤال بالجملة الأولى.
الشيخ: أسأل عن عملهم؟ السائل: التأويل.
الشيخ: أسألك عن عملهم في المسألة التي يعملها الصحابة، لأنك تقول أنت: إنهم يتأدبون لفظاً، لكن هناك فتوى صدرت منهم، لنضرب مثلاً: أنا قلت آنفاً من باب التدرج وما وصلنا بعد إلى الدرجة الثانية لا نزال في الدرجة الأولى، قلت: بعضهم، بمعنى: يشمل واحداً فأكثر، الآن أضرب مثلاً من الناحية العملية، بحيث لا يمكن أن يقال عنهم وحكاية عنهم: إنهم يتأدبون لفظاً، أنا أسأل الآن: ماذا يفعلون عملاً، مثلاً: هناك حديث في صحيح مسلم: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الشرب قائماً) وفي لفظٍ: (زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً) قيل لراوي الحديث أنس بن مالك خادم الرسول عليه الصلاة والسلام كما هو معلوم: [والأكل؟ قال: شر] .
نحن الآن الذين نؤثر فهم الصحابي على فهمنا، وبخاصة أننا لا نجد في السنة -وقبل ذلك في القرآن- ما يخالف هذا الجواب من هذا الصحابي الجليل أنس بن مالك، نحن الآن عملاً لا نفرق بين الشرب قائماً والأكل قائماً، كما أننا لا نشرب قياماً وإنما جلوساً، كذلك لا نأكل قياماً وإنما جلوساً هم ماذا يفعلون؟ السائل: أظن أنهم في هذه الأحكام متبعون مقتفون لطريقة السلف.
الشيخ: ما أظن ذلك؛ لأنهم يحاجّون في ذلك، وأنا أرجو أن تكون حكايتك هذه حكاية صحيحة، وليست من باب إحسان الظن، أنا أرجو أن تكون هذه الحكاية عنهم حكاية مطابقة لواقعهم؛ لأننا حينئذٍ نؤاخذهم من هنا من هذه الجزئية، ونقيم عليهم الحجة لماذا أنتم الآن اتبعتم السلف في هذه الجزئية، بل اتبعتم شخصاً واحداً، بينما أنا كان كلامي في السابق قلت: (بعضهم) يشمل الواحد والاثنين والأكثر من ذلك؟ أنت أجبت بجواب يخالف هذا الجواب الآن، لماذا؟ لأني طورت السؤال بناءً على تطور إجابتك عنهم، قلت: إنهم يتأدبون باللفظ، فماذا يفعلون في العمل الذي عملوه؟ هذا ما عملوه جميعاً وإنما عمله صحابي واحد، إذا قال: [الأكل شر] إذاً: نحن أتباع السلف إن شاء الله -أيضاً- لا نأكل من قيام، وهم ماذا يفعلون؟ قلت عنهم -وأرجو أن يكون هذا عنهم صواباً-: إنهم يتبعون السلف، نقول: بأي حجة أنتم اتبعتم السلف في هذه الجزئية؟ أنتم مدينون ومكلفون بأن تتبعوا السلف فيما هو أهم من هذه الجزئية بكثير، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة وبصورة أخص فيما يتعلق بالتكفير.
مداخلة: كلمة في تأييد كلام شيخنا في قضية فهم السلف، كلمة في سطرين للإمام الشاطبي رائعة جداً، يقول في كتاب الموافقات (ج3 ص 77) : يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل.
الشيخ: إي والله! آمنت بالله والذي جاء به رسول الله، وبما اتبعه سلفنا الصالح.
مداخلة: ابن عبد البر في الاستذكار ينقل عبارة وينسبها إلى أبي حنيفة وحماد بن سليم وربيعة الرأي، فيقول: كانوا يقولون: رأينا لمن بعدنا خير لهم من رأيهم لأنفسهم.
الشيخ: فما بال رأي الصحابي بالنسبة لمن بعده؟ من باب أولى.