السؤال الثاني: ما ضابط كفر المتأول الذي يقول أو يفعل فعل الكافر أو قوله؟
صلى الله عليه وسلم الضابط بين البشر مأخوذ، لكن الله يعلم ما في القلوب، علماء السلف -كما تعلمون- يضلِّلون المرجئة، ويضللون المعتزلة لكنهم لا يكفرونهم، أما عن صحة هذه الرواية من حيث السند، فلم يتح لي الوقوف على السند لكن المعنى صحيح، بمعنى: أنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه؛ لأننا نعلم أن المؤاخذة هي كالإيمان، فمن آمن هكذا دون قصد لا يحكم بإيمانه، ومن كفر دون قصد للكفر فلا يحكم بكفره (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وهناك أحاديث كثيرة وكثيرة جداً، ومنها ما له صلة بما نقلتَ -آنفاً- عنهم من الغلو من قولهم أن من فَعَل فِعْل الكفار فهو كافر سبحان الله! ما هو الدليل؟ سيعودون إلى الدعوى التي لا أصل لها، وهي أن الإيمان يستلزم العمل، نحن نقول: الإيمان الكامل يستلزم العمل، لكن ليس شرطاً في كل إيمان، حتى ولو كان ذرة تنجيه من الخلود يوم القيامة في النار.
ومن تلك الأقوال والأحاديث التي تبطل دعواهم: الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه في مسيرٍ لهم مروا بشجرة ذات أنواط، فقال بعض أصحابه: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكبر! هذه السنن؛ لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) .
إذاً: مجرد القول بكلمة الكفر لا يستلزم أن يكون قائله كافراً فعلاً.
وتعلمون قصة عمار بن ياسر ونزول قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] .
كذلك الرجل الذي أشرتَ إلى حديثه آنفاً، حيث جاء في حديثه: (كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط، فلما حضرته الوفاة جمع بنيه حوله فقال لهم: أي أبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أبٍ، قال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباًَ شديداً، فإذا أنا مت فحرقوني بالنار، ثم ذروا نصفي في البر ونصفي في البحر في يوم عاصف، فلما مات فعلوا ونفذوا وصيته، فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكان، فقال الله عز وجل: أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، قال: اذهب فقد غفرت لك) فلو كان قول الكفر كفراً فالكفر لا يغتفر بنص الآية، لكنه ليس كفراً لأنه لم يقصد الكفر، إذاً: هذا من أدلة ضلال هؤلاء، وأنهم: {يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} [آل عمران:7] .