لا بد لي قبل الدخول بشيء من التفصيل من أن أذكِّر -والذكرى تنفع المؤمنين- بقول أهل العلم: ما بني على فاسد فهو فاسد، فالصلاة التي تبني على غير طهارة -مثلاً- ليست بصلاة، لماذا؟ لأنها لم تقم على أساس الشرط الذي نص عليه الشارع الحكيم في نص قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له) فمهما صلى المصلي بدون وضوء فلا تصح؛ لأن ما بني على فاسد فهو فاسد، والأمثلة في الشريعة من هذا القبيل شيء كثير وكثير جداً.
فنحن نذكر دائماً وأبداً أن الخروج على الحكام -ولو كانوا من المقطوع بكفرهم- ليس مشروعاً إطلاقاً؛ ذلك لأن هذا الخروج -إن كان ولا بد- ينبغي أن يكون خروجاً قائماً على الشرع، كالصلاة التي قلنا آنفاً أنها ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة وهو الوضوء.
ونحن نحتج في مثل هذه المسألة بمثل قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] إن الدور الذي يمر به المسلمون اليوم من تحكم بعض الحكام، وعلى افتراض أن كفرهم كفر جليٌ واضح ككفر المشركين تماماً، إذا افترضنا هذه الفرضية فنقول: إن الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكام، ولنقل: الكفار؛ مجاراة لـ جماعة التكفير لفظاً لا معنى؛ لأن لنا في ذلك التفصيل المعروف فنقول: إن الحياة التي يحياها المسلمون اليوم تحت حكم هؤلاء الحكام، لا تخرج عن الحياة التي كان يحياها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الكرام فيما يسمى في عرف أهل العلم بالعصر المكي لقد عاش عليه الصلاة والسلام تحت حكم الطواغيت الكافرة المشركة، والتي كانت تأبى صراحة أن تستجيب لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يقولوا كلمة الحق: لا إله إلا الله، حتى إن عمه أبا طالب وهو في آخر رمق من حياته قال له: (لولا أن تعيرني بها قومي لأقررت بها عينك) .
أولئك الكفار الصريحون في كفرهم، المعاندون لدعوة نبيهم، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش تحت حكمهم ونظامهم، ولم يتكلم معهم إلا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، وجاء العهد المدني، وتتابعت الأحكام الشرعية، وبدأ القتال بين المسلمين وبين المشركين، كما هو معروف في السيرة النبوية أما في العهد الأول العهد المكي فلم يكن هناك خروج، كما يفعل اليوم كثير من المسلمين في غير ما بلد إسلامي، فهذا الخروج ليس على هدي الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أمرنا بالاقتداء به، وبخاصة في الآية السابقة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] .
الآن -كما نسمع- في الجزائر طائفتان، وأنا أَهْتَبِلُها فرصة إذا كنت أنت أو أحد الحاضرين على بينة من الإجابة عن السؤال التالي، أقول: أنا أسمع وأقرأ بأن هناك طائفتين أو أكثر من المسلمين الذين يعادون الحكام هنالك؛ مثلاً جماعة جبهة الإنقاذ، وأظن أن هناك جماعة تكفير.
مداخلة: جيش الإنقاذ قوات مسلحة غير الجبهة.
الشيخ: أليس له علاقة بالجبهة؟ الرجل: انفصل عنها، وهو متشدد.
الشيخ: إذاً: هذه مصيبة أكبر! وأنا أردت أن أستوثق من وجود أكثر من جماعة مسلمة، ولكلٍ منها سبيلها ومنهجها في الخروج على الحاكم.
ترى لو قضي على هذا الحاكم وانتصرت طائفة من هذه الطوائف التي تعلن إسلامها ومحاربتها للحاكم الكافر بزعمهم، ترى هل ستتفق هاتان الطائفتان فضلاً عما إذا كانت هناك طائفة أخرى، ويقيمون حكم الإسلام الذي يقاتلون من أجله؟ سيقع الخلاف بينهم! الشاهد الآن موجود مع الأسف الشديد في أفغانستان، يوم قامت أن الحرب في أفغانستان كانت فعلاً في سبيل الإسلام والقضاء على الشيوعية، فما كادوا يقضون على الشيوعية -والأحزاب كانت قائمة وموجودة أثناء القتال- إلا وينقلب بعضهم عدواً لبعض.
فإذاً: كل من خالف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام فلن يكون عاقبة أمره إلا خسراً.