الجمع بين وجوب الأوامر الشرعية وتفويض الإتيان بها إلى الإرادة

Q ما رأيكم في مسألة الأضحية أواجبة هي أم سنة؟ فإن كانت سنة فكيف نصنع بحديث أم سلمة في صحيح مسلم ولفظه: (إذا دخل عشر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي) علماً بأن الصنعاني نقل عن الشافعي قوله: وتفويض الأمر إلى الإرادة مشعر بعدم الوجوب؟

صلى الله عليه وسلم الواقع أن هذه شبهة ليس لها قيمة من ناحية النصوص الشرعية (وأراد أحدكم أن يضحي) نحن نقول: نسبة الأمر إلى إرادة الإنسان له علاقة كبيرة جداً بموضوعنا السابق، أي: إن الإنسان مكلف بالعبادة وبالطاعة، فهو عليه أن يريدها، وأن يعملها وينهض بها، فإذا لم يردها فليس الله عز وجل بالذي يفرض ذلك عليه فرضاً، ويقصره على ذلك قصراً، لا.

فالنكتة هنا في أنه نسب حكم من أراد أن يضحي إلى إرادة الإنسان من هذه الناحية، وهذا واضح جداً في نفس القرآن الكريم {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] إذاً: الاستقامة على هذا الفهم -مع الأسف أن هذا الفهم نسب إلى بعض الأئمة- ينتج قياساً على هذا الفهم أن الاستقامة غير واجبة، لماذا؟ لأن الله عز وجل نسبها إلى مشيئتنا، فكل شيء أمرنا به فلا بد للقيام به من مشيئتنا وإرادتنا في ذلك، ولذلك قلنا قبل أن نعرف ما ادخر لنا وما خبئ لنا من مثل هذا السؤال، قلنا: إن الإرادة قسمان: إرادة كونية، وإرادة شرعية، فالبحث ليس في الإرادة الكونية، وإنما في الإرادة الشرعية، فالمفهوم هنا: يجب أن تفعل، وإن لم تفعل انتقل الأمر من الإرادة الشرعية إلى الإرادة الكونية؛ لأنه لا يقع شيء في هذا الكون رغماً عن الله عز وجل، فهنا لما قال الله عز وجل: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] لماذا نسب الاستقامة إلى المشيئة؟ الجواب: لأن بها ربطت التكاليف الشرعية كلها.

ومثال على هذا الذي نقوله، وإن كانت الآية كافية في ذلك وشافية، ولكن على سبيل التفريع، قال عليه الصلاة والسلام: (من أراد الحج فليعجل) أيضاً نسب الإرادة هنا للإنسان في الحج الذي هو من أركان الإسلام الخمسة، فهل معنى ذلك أن الحج غير واجب؟ الجواب: لا.

لكن كل واجب لا بد له من إرادة تصدر من هذا الإنسان ليصبح مكلفاً، وإلا إذا كان لا إرادة له فلا تكليف عليه، ولذلك -كما تعلمون في الحديث الصحيح- (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015