Q جاء في القرآن الكريم أن الله عز وجل يخبر عن نفسه سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] فربما يضيق عقل بعض الناس عن فهم هذه الآية على ظاهرها؛ لأننا لسنا بحاجة إلى التأويل كما قلنا آنفاً، فكيف يكون الله خير الماكرين؟
صلى الله عليه وسلم المسألة سهلة بفضل الله؛ ذلك لأننا نستطيع أن نعرف أن المكر من حيث هو مكر لا يوصف دائماً وأبداً بأنه شر، كما أنه لا يوصف دائماً وأبداً بأنه خير، فرب كافر يمكر بمسلم؛ لكن هذا المسلم كيس فطن ليس مغفلاً، وليس غبياً، فهو متنبه لمكر خصمه الكافر، فيعامله على نقيض مكره هو، بحيث تكون النتيجة أن هذا المسلم بمكره الحسن قضى على الكافر في مكره السيئ، فهل يقال: إن هذا المسلم حينما مكر بالكافر؛ قد تعاطى أمراً غير مشروع؟ لا أحد يقول هذا.
ومن السهل أن تفهموا هذه الحقيقة من قوله عليه الصلاة والسلام: (الحرب خدعة) ويقال في الخداع ما يقال في المكر تماماً، فمخادعة المسلم لأخيه المسلم حرام، لكن مخادعة المسلم للكافر عدو الله وعدو رسوله ليست حراماً، بل واجب.
كذلك مكر المسلم بالكافر الذي يريد المكر به، بحيث يبطل هذا المسلم مكر الكافر، فهذا مكر حسن، وهذا إنسان وهذا إنسان، فماذا نقول بالنسبة لرب العالمين، القادر العلي الحكيم؟ فهو يبطل مكر الماكرين جميعاً، لذلك قال: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] .
فحينما وصف ربنا عز وجل نفسه بهذه الصفة؛ فإنه قد لفت نظرنا بأن المكر حتى من البشر ليس مذموماً بإطلاق؛ لأنه قال: {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ، فهناك ماكر بخير وماكر بشر، فمن مكر بخير فلن يذم، والله عز وجل كما قال: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] .
وباختصار أقول: كل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك، فإذا توهم الإنسان أمراً لا يليق بالله فليفترض مباشرة أنه مخطئ، فهذه الآية هي مدح لله عز وجل، وليس فيها أي شيء لا يجوز نسبته إلى الله تبارك وتعالى.