المسألة الثالثة: وهي في الواقع زيادة بيان لبعض ما جاء في كلام الأخ، الدعوة السلفية تلتقي مع الدعوات الأخرى كلها قديمها وحديثها مما يحوم دعاتها في دائرة الإسلام، كلهم يلتقون في كلمة سواء وهي: أنهم يرجعون إلى الكتاب والسنة، فالدعوة السلفية من هذه الحيثية لا مزية لها على سائر الدعوات، خاصة ما كان منها قائماً في العصر الحاضر اليوم، ولكن إنما تتميز الدعوة السلفية في هذا المجال الذي يدندن الجميع حول الكتاب والسنة، أنهم يدعون إلى فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، لا يكتفون فقط بدعوة المسلمين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، بل يزيدون على ذلك إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح؛ لأن هذه الفرق الكثيرة التي أشار إليها الرسول عليه الصلاة والسلام إشارة عابرة في حديث الفرق الثلاث والسبعين، (كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي ما أنا عليه وأصحابي) وفي رواية أخرى وهي الأصح قال: (هي الجماعة) وفي الحديث الآخر: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) إلى آخر الحديث.
فنجد هنا في هذين الحديثين تنبيهاً إلى هذا القيد الذي يتمسك به السلفيون من بين سائر الدعاة: كتاب وسنة وفهم على منهج السلف الصالح؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال: (ما أنا عليه) فقط، وإنما قال: (وأصحاب) وما قال: (عليكم بسنتي) فقط، وإنما قال: (وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي) وهذا في الواقع اقتباس من القرآن الكريم، كمثل قول رب العالمين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] .
فالله عز وجل قال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] لماذا جاء بهذه الجملة؟ هذه جملة بيانية خطيرة جداً، كان يكفي أن يقول: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى) ولكنه أضاف إلى مشاقّة الرسول قوله عز وجل: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] بحكمة بالغة ألا وهي: أن مشاقّة الرسول إنما تظهر بمخالفة سنة المؤمنين، ومنهج السلف الصالح الذي سمعتم عنه في الكلمة السابقة.
وفي ذلك يقول ابن القيم تأكيداً وإشارة عابرة سريعة إلى هذا القيد في فهم الكتاب والسنة، يقول:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
أيضاً لم يكتف بقوله: العلم قال الله قال رسوله كما يقول جماهير المسلمين، وإنما أضاف إلى ذلك:
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذراً من التعطيل والتشبيه
أريد أن أقول باختصار: إن الدعوة السلفية تدندن في جملة ما تدندن حول فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، ومن هنا تأتيهم العصمة من الوقوع في العقائد التي تكلم عنها علماء الإسلام، وأنها انحرفت عن الجادة كـ المعتزلة وكـ المرجئة وكـ الجبرية ونحو ذلك، ومن الأفكار الحديثة اليوم التي يتكلم بها ويسطرها كثير من الكتاب الإسلاميين باسم الإسلام وهي ليست من الإسلام في شيء، ولا يمكن لأحد من أهل العلم أن يعرف ذلك إلا إذا كان متمسكاً بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، هذه ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين، وبهذا القدر الكفاية، والحمد لله رب العالمين.