فمن أين جاء هذا التفريق؟ جاء من الفلسفة جاء من علم الكلام الذي نتج منه ذلك الاصطلاح، أنه أحاديث تؤخذ منها الأحكام ولو كانت آحاداً، لكن لا تؤخذ منها العقيدة، جاءت من فلسفة أن العقيدة يجب أن تكون يقيناً، ويقابل هذا فلسفة أخرى: أن أحاديث الآحاد لا تفيد يقيناً، هذا ليس كلام علماء المسلمين الأولين، هذا كلام بعض فلاسفة المسلمين، حتى قال بعضهم شراً من ذلك، فقالوا: إن نصوص الشريعة كتاباً وسنة ظنية لا تعطي يقيناً مطلقاً، هذا قول الفخر الرازي وغيره، وإنما الذي يعطي اليقين إنما هو علم الكلام، أي: العلم الذي جاء به الناس من اجتهاداتهم وآرائهم منه نخرج بيقين، أما القرآن الذي هو {شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] بنص القرآن الكريم، وفيه {بَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] ففي دعواهم ليس هناك في القرآن حجة، وليس هناك في القرآن بينة يقينية، وإنما هي أمور ظنية هذا يقوله بعض الفلاسفة الإسلاميين أو علماء الكلام، يمزجون بهذا الكلام القرآن والسنة معاً، لا يفرقون بين القرآن والسنة، ولا بين السنة المتواترة أو غير المتواترة، كل ذلك لا يُعطي يقيناً عندهم، وأهون من هؤلاء شراً هم الذين خصوا هذا الكلام في حديث الآحاد، فقالوا: حديث الآحاد لا يعطي يقيناً، والعقيدة يجب أن تبنى على اليقين.
ونحن نناقش هذه الدعوى من ناحيتين أو أكثر: