المسألة الثالثة هي: مسألة التزكية النفسية والتزكية الروحية، هذه المسألة قد شاع لدى المتأخرين فيها طريق المتصوفة، هؤلاء الذين يعتمدون لتزكية النفوس على المجاهدات الروحية، والوسائل النفسية، وما أحدثه مشايخهم من أمور ادّعوا أنها توصلهم إلى الله، وقد اعتمدوا فيها على غير ما جاءهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء المتصوفة -والحق يقال-: إن أول درجات التصوف اتباع، وآخر درجاته زندقة، أول ما يدخل الإنسان في الصوفية لابد أن يقوم ببعض البدع؛ لأنه ما الذي يميز الصوفي عن غيره من أهل السنة؟ أهل السنة يلتزمون بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، فبم يختلف الصوفي عنهم؟ إن قالوا: نحن على الكتاب والسنة، فلماذا -إذاً- تختصون لأنفسكم طريقاً؟ لماذا تلتزمون بأوراد؟ لماذا تلتزمون بنوع معين من الذكر، وطريقة خاصة به؟ لماذا تفرقون المسلمين؟ فهذا شاذلي، وهذا رفاعي، وهذا قادري وما أشبه ذلك؟ لا شك أن الحقيقة البينة الناصعة تدل على أنهم يخيرون في دين الله، فلا يكتفون بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهدي السلف الصالح وإنما يزيدون ما استحسنوه لأنفسهم وما أضافوه إلى الدين من أمور هو منها بريء، وأمور هي ضلالات، فلذلك طرق الصوفية السلفيون ينكرونها جملة وتفصيلاً، وليست المسألة -كما يتوهم البعض- اتباع، وأن الصوفية هي نفس ما جاء به الإسلام من درجة الإحسان أو التزكية أو تلطيف القلوب أو الجانب الروحي.
وهناك ضلال آخر وهو أنهم يعتقدون أن هناك طريقاً لمعرفة الغيب ولمعرفة حقائق الأمور عن طريق الكشف، ولا يرجعون فيه إلى ما جاءهم عن طريق الشرع، ويزهدون في التعلم، وبعضهم أحرق كتبه، وقال آخرون: أنتم تأخذون علومكم ميتاً عن ميت ونحن نأخذها عن الحي الذي لا يموت! وهذا الذي يسمى بنظرية الكشف وهو من أبشع الباطل، ومن أضل الضلال، وهو إذا نظر فيه الإنسان نظرة شاملة صحيحة يجده إلغاء لكل ما جاءنا به الإسلام، واستبدال ما جاء عن طريق الحدس والتخمين والأهواء والنزغات الشيطانية به.
وهذا خطر عظيم ما بعده خطر، إنه الكهانة، يدعون أن الملائكة تأتيهم وتلهمهم، وأن الله هو الذي يخبرهم ويلهمهم، وما الدليل على ذلك؟ ما الذي يضمن أنه إلهام من الله وليس نزغات الشياطين؟! والأمور بنتائجها وتعلم من آثارها.
أيضاً: لا يتسع المقام للإفاضة في ذلك فحسبنا أن نكتفي بهذا، هذه أسس هامة ثلاثة للدعوة السلفية.