وما أحسن ما يقوله ابن القيم رحمه الله في هذه المناسبة: المعطل يعبد عدماً، والمجسم يعبد صنماً.
المعطل يعبد عدماً، لماذا؟ لأن الله تعالى يقول {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] وهو يقول لك: ما جاء ينزل من السماء الدنيا في آخر كل ليلة فيقول: (ألا هل من داعٍ ... ) وهو يقول: ما ينزل استوى على العرش، وهو يقول: ما استوى على العرش له يد، وهو يقول: ليس له يد.
هذا هو الإنكار! لماذا تقول: ما استوى وما يجيء؟ يقول: لأن فيه مشابهة لمن يجيء من مخلوقاته.
وكذلك سميع بصير فيه مشابهة، إذاً: ليس سميعاً وليس بصيراً.
إذاً: هو موجود؟ إن قال: موجود، أقول: أنا أيضاً موجود، وهنا مشابهة! فالخلاص من هذا أن نقول: إن وجوده ليس كوجودنا، وبصره ليس كبصرنا وكل صفات الله ليست كصفات المخلوقات، فـ المؤولة وفي مقدمتهم المعتزلة ثم من يليهم من بعدهم الأشاعرة، يصل بهم الأمر أنهم إذا قالوا: نحن نعبد الله، فإنما يعبدون عدماً؛ لأنه: ما هي صفات هذا الإله؟ لا نعرف الله إلا بما وصف به نفسه، فإذا جئنا إلى الصفات التي يصف بها نفسه فأولناها، أي: أخرجناها عن معانيها الواضحة بحجة أنّا إذا قلنا: جاء، فالإنسان يجيء، إذا قلنا: سميع، الإنسان سميع، قال علماء السلف: هذا هو التعطيل! الله أيضاً له ذات، ولكل منا له ذات! إذاً نقول: لا ذات لله عز وجل، رجع إيمانهم بالله إلى العدم، لذلك قال ابن القيم: المعطل يعبد عدماً؛ لأنه لا يثبت لله صفة، حتى صفة السمع والبصر تأولها إلى صفة العلم، لكن هو سيضطر إلى تأويل العلم أيضاً؛ لأننا نقول: الله عالم، وكذلك فلان عالم، والله تعالى قال في القرآن الكريم: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] .