هذا الحديث -مثل أحاديث كثيرة- يبيِّن مواضع الإزار، والمواضع التي تشرع أو تجوز أو تحرم: وأول ذلك: يقول: (هذا موضع الإزار) تحت أربع أصابع من الركبة، أي: هذا هو الأفضل، وكذلك كان إزار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه سجية وشريعة محمدية شرعها للناس المسلمين المؤمنين به حقاً، فلا يكون الإزار -استحباباً لا إيجاباً وفرضاً- تحت الركبة بنحو أربع أصابع.
ثم المرتبة الثانية: بعد أربع أصابع أخرى تحت الأولى.
المرتبة الثالثة: في الجواز تحت الأربع الثانية -أعني: تحت اثنتي عشرة إصبعاً- فهذا يجوز، وهذا الحديث صريح في ذلك.
وقد جاءت أحاديث أخرى في الصحيح وفي غيره: ما أسفل الكعبين فهو في النار) ، وأحاديث كثيرة في هذا، من ذلك أيضاً: قصةٌ جرت بين الرسول عليه الصلاة والسلام وحذيفة بن اليمان، وحذيفة بن اليمان من أجلة أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاحبه الخاص في سِرِّه، أي: صاحب سر الرسول عليه الصلاة والسلام-: (رآه يوماً وإزاره طويل مُسْبَل، فأوقفه، ووضع يده عليه الصلاة والسلام على عضلة ساقه -شك الراوي، هل وَضَع يده عليه الصلاة والسلام على ساقه هو نفسه، أم على ساق حذيفة؟ وأيَّاً كان فالأمر واضح- وضع يده عليه السلام على ساقه أو ساق حذيفة على العضلة، وقال له: هذا موضع الإزار، فإن طال فلا بأس -لا بأس في الأولى- فإن طال فلا حق للكعبين في الإزار) هذا نص حديث حذيفة: لا حق للكعبين في الإزار) .
ولا شك أن بعض الأحاديث التي أشرت إليها أصرح في التحريم من هذا، فتلك تقول: (ما طال تحت الكعبين ففي النار) أي: صاحبه بلا شك.
إذاً: هذا هو النهج النبوي على هذه المراتب: أولها أفضلها، وآخرها محرم في الإسلام، وما بين ذَيْنِك فهو أمر جائز.
وعلى هذا فنحن نأخذ من هذا الحديث أنه لا يشرع للمسلم أن يخالف النهج الذي وضعه الرسول عليه السلام بحُجَّة ما، ولو كانت هناك حجة لمن هو مبتلى اليوم بإطالة الإزار؛ لكان لهذا الإنسان -وهو عمرو الأنصاري - أقوى حُجَّة في إسباله؛ ليظهر أمام الناس بالمظهر الجميل الذي لا يلفت أنظارهم إليه، بل لا يُضْحِك بعض الناس عليه.
فإذا رأينا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعتبر ذلك عذراً، بل وحدد له المراحل التي ينبغي أن يلاحظها: إما في مرتبة الأفضل، أو ما دون ذلك، أو الجواز أخيراً، أما إذا خالف -كما في الأحاديث الأخرى الصحيحة- فما طال تحت الكعبين فهو في النار.