Q يا شيخ! هل نفهم من حديث عائشة السابق أن الدف ليس من مزامير الشيطان؟
صلى الله عليه وسلم لقد أجبتك على هذا بارك الله فيك! نحن نقول: الأصل في آلات الطرب أنها من مزامير الشيطان، لكن استثنى الشارع الحكيم من أن يكون مزماراً للشيطان في هذا الوقت المعين، فالأصل: أنه مزمار للشيطان في غير يوم العيد، أما في يوم العيد فليس مزماراً للشيطان، فلا منافاة والحمد لله.
ولعل من المفيد أن نذكر أيضاً بمثالٍ آخر، وهو مهم جداً من حيث الحياة الفكرية التي يحياها اليوم العالم الإسلامي جله، والذين يعتقدون بأن الموتى يسمعون، ويحتجون على ذلك بحجج كثيرة ولسنا نحن في هذا الصدد، إلا فيما يتعلق بلفت النظر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أقر أحداً على شيء فهو حق فعلينا الاستفادة من ذلك.
كلنا يذكر غزوة بدر، حينما أهلك الله عز وجل صناديد قريش، وألقوا في قليب بدر، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فوقف على القليب ونادى أولئك الكفار القتلى بأسمائهم: (يا فلان بن فلان! لقد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ قال عمر -هنا الشاهد-: يا رسول الله! إنك لتنادي أجساداً لا أرواح فيها) .
ماذا نفهم نحن من قول عمر هنا؟ الجواب: نفهم من ذلك نحو فهمنا من كلمة أبي بكر هناك، ومن كلمة حفصة هناك، فنفهم أن عمر بن الخطاب يرى أن الموتى لا يسمعون؛ ولذلك فهو يستغرب ويتعجب لمناداة الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الموتى، حديث يقول: (يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان! -بأسمائهم-: إني وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟) هذه المناداة تنافي -كما أفهم وهو حق إن شاء الله- ما كان تلقاه عمر بن الخطاب تعليماً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن الموتى لا يسمعون، ويكفي في ذلك القرآن الكريم: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [النمل:80] .
كذلك قوله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] وهاتان الآيتان فيهما كلام من حيث التفسير، لكن خلاصة الكلام فيهما لا يتنافى أبداً مع هذه الحقيقة الشرعية، وهي: أن الموتى لا يسمعون، وهذه الحقيقة هي التي كان عمر بن الخطاب تلقاها وتعلمها من قبل من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك صار عنده إشكال: كيف لقننا هذا العلم ثم هو يناديهم؟! فماذا كان موقف الرسول عليه الصلاة السلام؟ كان موقفه منه كما كان موقفه من أبي بكر، وحفصة؛ أقرهم جميعاً على ما قالوا، ولكنه أدخل على كلامهم قيداً لا يعرفونه؛ لأنهم لا يوحى إليهم كما يوحى إليه، فلقد أقر الرسول عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب على كلمته هذه، ومعنى هذا كأنه يقول له: صدقت! الموتى لا يسمعون، لكن هؤلاء يسمعونني، ولذلك قال له في الجواب بلسان عربي مبين: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) أي: هؤلاء يسمعونني، فأنت يا عمر! الذي تلقيته مني حق وصواب، لكن اعلم أن هذه معجزة وكرامة خاصة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم حيث أسمعهم صوته، ومن شأنهم أنهم لا يسمعون، لم؟ لأنهم موتى.
ويؤكد هذا المعنى أن الإمام أحمد رحمه الله، روى هذه القصة بإسناده الصحيح في المسند: أن عمر قال: والموتى لا يسمعون.
أيضاً جاء الجواب كما سمعتم لم يقل له: أنت مخطئ، بل الموتى يسمعون -لو كان هو مخطئاً- لكنه أقره على هذه العبارة الصريحة، ولكن أدخل في ذلك قيداً وهو: أن الموتى لا يسمعون إلا هؤلاء، ولذلك جاء في صحيح البخاري في هذه القصة من طريق قتادة عن أنس بن مالك -هذه القصة التي رويناها باستثناء رواية الإمام أحمد مروية في الصحيحين - قال قتادة: [أحياهم الله له، فأسمعهم صوته تبكيتاً وتحقيراً ونكاية بهم] إذاً: هذا الانتباه لإقرار الرسول عليه الصلاة والسلام لكلام الصحابي، فهذا معناه أن كلام الصحابي حق، لكن ينظر هل أدخل عليه الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً من التخصيص والتقييد فيضاف إليه، فنخرج بنتيجة سليمة مائة بالمائة، فالموتى لا يسمعون إلا هؤلاء فإنهم قد سمعوا، وآلات الطرب لا تجوز وبخاصة الدف إلا في يوم العيد، والناس كلهم لا بد أن يدخلوا النار كما فهمت حفصة من الآية، ولكن يختلفون من صالح يمر مروراً (ترانزيت) كما يقولون اليوم إلى الجنة، أما الكفار فيلبثون فيها أحقاباً.