حكم توليد الطبيب الرجل للمرأة

Q إذا كانت المرأة حاملاً، فهل يجوز أن يقوم على توليدها رجل؟

صلى الله عليه وسلم الحقيقة أن هذه المسألة من المسائل التي ابتلي بها المسلمون اليوم، لقد كانت المرأة الحامل تضع في عقر دارها، وبمساعدة بعض قريباتها، أو بمساعدة من تسمى بـ (الداية) أو (القابلة) في بعض البلاد، فتغيرت الأوضاع، وهذا كله بسبب تأثر المسلمين بالتقاليد الأجنبية الغربية، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن الناس؟) .

وفي رواية الترمذي وغيره تأكيد هذا التقليد الأعمى لهؤلاء الكفار في أسوأ ما يمكن أن يتصوره المسلم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (حتى لو كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق، لكان فيكم من يفعل ذلك) صدق رسول الله.

فإننا نرى التقليد من المسلمين للكفار يشمل أسوأ التقاليد والعادات، من ذلك أنه أصبح عادة لازمة أن كل امرأة يجب أن تضع في المستشفى؛ سواء اضطرت إلى ذلك أو لم تضطر إليه، فأصبح تقليداً وأمراً رتيباً، وحتى البيوت الفقيرة تحاول أن تضيق من نفقاتها الضرورية؛ لتتمكن من توليد المرأة الحامل في المستشفى، وهذا تقليد من المسلمين للكفار.

والذي نقول بعد هذه التوطئة وهذه المقدمة: إن أصل إدخال المرأة إلى المستشفى للتوليد لا يجوز القول بجوازه هكذا مطلقاً، وإنما لا بد من التحديد والتضييق، فيقال: إذا كانت القابلة أو الطبيبة المشرفة على هذه المرأة الحامل، إذا رأت بعلمها أن هذه المرأة سوف تكون ولادتها غير طبيعية، وأنها قد تتطلب إجراء عملية إضافية لها، ففي هذه الحالة تنقل إلى المستشفى، أما إذا كانت الولادة طبيعية؛ فلا يجوز أن تخرج من دارها وأن تدخل المستشفى فقط لتوليدها توليداً طبيعياً هذه واحدة.

الأخرى: إذا اضطرت المرأة أن تدخل المستشفى في هذه الحدود الضيقة التي ذكرناها، فيجب ألا يتولى توليدها الرجل الطبيب، وإنما تولدها طبيبة من النساء، فإن لم توجد فحين ذلك لا بأس -بل قد نقول: يجب؛ إذا كانت ولادتها في خطر- أن يولدها الطبيب؛ ما دام أن الطبيبة غير موجودة، وهذا الجواب الأخير التفصيلي يؤخذ من قاعدتين اثنتين من علم أصول الفقه، ومن لا دراية له به لم يحسن الجواب عن المسائل العارضة، لا سيما إذا كانت جديدة، ولم يسبق أن عالجها العلماء السابقون.

والقاعدتان هما: القاعدة الأولى: الضرورات تبيح المحظورات.

القاعدة الأخرى وهي مقيدة للأولى: الضرورة تقدر بقدرها.

لهذا قلنا: إذا كانت المرأة بإمكانها أن تضع ولدها في دارها؛ فلا يجوز لها أن تذهب إلى المستشفى، فإن اضطرت فيتولى توليدها الطبيبة وليس الطبيب، فإن لم توجد الطبيبة تولى توليدها الرجل الطبيب، لأننا قلنا: الضرورات تقدر بقدرها.

وقولنا: إن الضرورات تقدر بقدرها، يوجب علينا أن نقول: المرأة هي التي تولدها، لكن إذا لم توجد المرأة فحينئذ نقول: الضرورات تبيح المحظورات.

فهذا التوليد من الرجل للمرأة حينما لا توجد الطبيبة، ليس بشر من أن يتعرض المسلم لأن يأكل ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير، فإن الله عز وجل قد ذكر في خاتمة الآية فقال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فيحل لكم أن تأكلوا من هذه المحرمات، لكن قوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] ومن سياق هذه الآية من السباق والسياق أخذ العلماء القاعدتين السابقتين ذكراً: الضرورات تبيح المحظورات، لكن ليس ذلك على الإطلاق، وإنما الضرورة تقدر بقدرها؛ لأنه قال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فمثلاً: رجل في الصحراء يتعرض للموت جوعاً، فيجد هناك ميتة، أو لحم خنزير، أو نحو ذلك، فلا يجوز له أن يجلس ويأكل من هذه الميتة كما لو كان يأكل لحماً طازجاً حلالاً حتى يشبع نهمته من الجوع، وإنما بقدر ما يسد به رمقه، وينقذ به نفسه من الهلاك.

هذه الآية هي مصدر القاعدتين السابقتين: الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها.

هذا الجواب لآخر سؤال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015