جمع الناس لصلاة التراويح في خلافة عمر

من هذا القبيل ما يكثر إيراده من القائلين بالتقسيم للبدعة إلى حسنة وسيئة: صلاة عمر بن الخطاب، أو أمر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب أن يصلي بالناس إماماً في صلاة التراويح، وقول عمر بن الخطاب في هذه المناسبة: [نعمت البدعة هذه] يحتجون -أيضاً- بهذه الحادثة على أن هناك في الإسلام بدعة حسنة، والجواب هو عين الجواب عن إخراج عمر لليهود من جزيرة العرب، فـ عمر لم يبتدع شيئاً في الإسلام إطلاقاً، وإنما نفذ أمراً قديماً.

كذلك لما صلى، أو أمر أُبي بن كعب أن يصلي بالناس إماماً، لم يأت بشيء جديد؛ لأن هذه الإمامة شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في الليالي الثلاث التي قرأتموها في صحيح البخاري، ثم ترك ذلك عليه الصلاة والسلام لعلة: (إني خشيت أن تكتب عليكم) ، ثم زالت هذه العلة بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أتم الله عز وجل الدين، فلم يبق هناك مجال لتشريع أحكام جديدة، ومن أجل زوال العلة رجع عمر بن الخطاب فأحيا تلك السنة، لا سيما وهناك حديث من قوله عليه الصلاة والسلام، وهو رد على بعض الناس الذين يرون -على الرغم من زوال تلك العلة- أن صلاة التراويح في البيوت أفضل من صلاتها في المساجد، فهو خطأ وغفلة من هؤلاء عن شيئين اثنين: الشيء الأول: أن العلة زالت؛ ولذلك رجع عمر إلى إحياء هذه السنة.

والشيء الآخر: هو أنه جاء في سنن أبي داود حديث بإسناد صحيح، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من صلى العشاء في رمضان وراء الإمام، ثم صلى خلفه صلاة القيام، كتب له قيام ليلة) ، فهذا تشريع من الرسول من قوله يحض المسلمين على أن يصلوا صلاة التراويح مع الإمام، فما الذي فعله عمر بن الخطاب؟ أحيا سنة فعليه، وسنة قولية، كل منهما يؤيد الأخرى، إذاً ما أحدث عمر بن الخطاب شيئاً في الدين، وإنما أحيا سنة من سنن سيد المرسلين.

لكن يرد السؤال التقليدي: إذاً لم قال عمر بن الخطاب: [نعمت البدعة هذه] ؟ نقول: عمر أطلق البدعة على هذا التجميع باعتبار ما كان الأمر عليه، ما بين ترك الرسول عليه الصلاة والسلام لصلاة الجماعة في التراويح، وإحيائه هو إياها، فكانت هذه السنة متروكة، فهو سماها بدعة؛ لأنها حدثت بعد أن لم تكن في هذا الزمن المحصور؛ بهذا الاعتبار قال: [نعمت البدعة هذه] .

خلاصة القول: لا يجوز أن ننسب إلى الدين ما ليس منه إلا بدليل شرعي -كما سمعتم- بالنسبة لإخراج اليهود، وبالنسبة لتجميع عمر الناس على صلاة التراويح، ولا يجوز إنكار بعض المحدثات ما دام ليس سبب إحداثها هو تقصير منا، وفي الوقت نفسه هذا الذي حدث يؤيد حكماً شرعياً منصوصاً عليه، كمكبر الصوت.

إذا عرفنا هذين الأمرين نجونا من الإفراط والتفريط، الإفراط: هو إضاعة مثل هذه الوسيلة بحجة أنها محدثة، وهي ليست محدثة في الدين، ولا تعارض الدين، بل تؤيد غرضاً من أغراض الدين، وحكمة من حكم التشريع، ولا يجوز أن ندخل في الدين أشياء بقصد زيادة التقرب إلى الله، فهذه الزيادة ممنوعة؛ للأحاديث الكثيرة التي تعرفونها في الذم عن الابتداع في الدين، ومن أخطرها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أبى الله عز وجل أن يقبل من صاحب بدعة توبة) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015