أما إذا كان هذا الذي حدث ليس له علاقة بتقصير المسلمين في القيام بواجبهم، وبشريعة ربهم، فحين ذاك ما دام هذا الحادث يحقق مصلحة إسلامية، فلا بأس من الأخذ به، ما دام أنه يحقق غرضاً مشروعاً، والمثال الآن لهذا النوع الثالث بين أيديكم: هو هذا المكبر للصوت، الذي يستعمل في الدروس والمواعظ وفي الأذان أيضاً، هذا لا يشك إنسان أبداً في أنه أمر حادث، لم يكن في عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهل نقول: إنه بدعة، ونطبق عليه النص المعروف: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فنجتنب حينئذٍ استعمال هذه الوسيلة؛ لأنها حدثت بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، أم لا؟ إنما نقول: صحيح أن هذه وسيلة محدثة، ولكن هي تساعد على تحقيق غرض شرعي ألا وهو تبليغ وتسميع الناس، دون أن نكون نحن مقصرين.
أضرب لكم مثلاً في التقصير، وهو قريب من هذا المثال ولكن معاكس له: بعض أئمة المساجد لو رفع صوته في المسجد المتوسط المساحة لأسمع كل أهل المسجد، فهو لا يرفع صوته، لماذا؟ لأنه يعتمد على المبلغ (المؤذن) الذي خلفه، فتبليغ المؤذن خلف هذا الإمام بدعة، علماً أن أبا بكر الصديق كان يبلغ وراء الرسول عليه الصلاة والسلام في مرض موته صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك التبليغ كان لحاجة، ولم يقصر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان مريضاً، بينما قبل ذلك لم نعرف تبليغاً خلف الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يسمع الناس، فإنما بلغ أبو بكر الصديق خلفه لأن الرسول لم يستطع أن يبلغ الناس ويسمعهم صوته.