Q إذا كان المسلم يأكل وأذن الفجر، فما حكم صومه؟ وهل عليه القضاء؟
صلى الله عليه وسلم النص القرآني صريح في هذا ألا وهو قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فالآية صريحة في إباحة استمرار المتسحر في طعامه وشرابه حتى يتبين الفجر، أي: حتى يتأكد من طلوع الفجر الصادق، وهذه الآية لحكمة ما جاء فيها ربنا عز وجل بقوله: ((حَتَّى يَتَبَيَّنَ)) [البقرة:187] لأن التبين من الشيء: هو التأكد منه، والواقع أن هناك تساؤلات كثيرة في أن المؤذنين في هذه البلاد يؤذنون مع طلوع الفجر الصادق، فقد كنا في العمرة في رمضان في مكة والمدينة، فرأيناهم يتأخرون في الأذان -أذان الفجر الصادق- قرابة نصف ساعة، ونحن لا نعلم هناك فرقاً من حيث خطوط الطول يؤدي إلى هذا الفرق بين فجرهم وفجرنا.
وملاحظتنا هذه الأخيرة هناك ذكرتنا بما نسمعه من بعض إخواننا المثقفين المتفقهين في الأردن، أنهم يقطعون بأن الأذان في الأردن بصورة عامة وليس فقط في رمضان، يؤذن قبل الفجر الصادق بنحو ثلث ساعة، ثم جاء بعض إخواننا من الأردن إلى هنا واتصلوا مع بعض إخواننا، وأيضاً راقبوا طلوع الفجر هنا في دمشق بصورة خاصة، فظهر لهم -وما أقول تبين؛ لأني بعد ما تبينت مما ظهر لهم- فظهر لهم أن الأمر هنا كالأمر هناك، ولذلك كان في نفسي أن نعمل جلسة خاصة مع بعض إخواننا، ونتدارس هذه القضية بالنسبة لنا هنا في دمشق، أي: هل يؤذن الأذان الثاني -وليس الأذان الأول- الذي به يحرم الطعام وتحل الصلاة في الوقت تماماً، أم أنه يقدم على الوقت كما يفعلون في بدعة الأذان الأول؟ حيث أنهم يسمونه بأذان الإمساك، وهو في الحقيقة من الناحية الشرعية هو أذان الطعام والشراب وليس أذان الإمساك، فهم يسمونه: أذان الإمساك، حتى سجل فيما يسمونه بالإمساكية، فصار لزاماً على كل صائم أن يمسك عن طعامه وشرابه بمجرد أن يسمع الأذان الأول، وهو شرعاً أذان الطعام والشراب، بدليل حديث البخاري ومسلم عن جماعة من الصحابة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يغرنكم أذان بلال، فإنما يؤذن بليل ليقوم النائم وليتسحر المتسحر، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فهو عليه السلام أمر بالطعام والشراب أن يستمر فيه الإنسان ولو بعد أذان بلال؛ لأن بلالاً يؤذن ليقوم النائم ويتسحر المتسحر، فالأذان الأول الغرض منه التنبيه إلى أنه الآن وقت الطعام والشراب، قال عليه السلام: (فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) .
وقد جاء في هذا الحديث أنه كان بين أذانيهما مقدار تلاوة خمسين آية، أي أن الوقت بين الأذانين وقت قريب جداً، وليست هذه المسافة التي تأخذ من الزمن نحو ربع ساعة موجودة اليوم بين أذان الإمساك المزعوم وبين أذان الفجر؛ لذلك فممكن أن بعض الموقتين الذين يوقتون التوقيت الفلكي هذا ربما لاحظوا احتياطاً ثانياً غير الاحتياط لأذان الإمساك، لاحظوا احتياطاً ثانياً في توقيت الأذان الثاني، فتقدموا به حتى لا يدخل الفجر الصادق في زعمهم وبعضهم لا يزال يأكل فيفطر، ولئن كان هذا واقعاً فهذا يدل على جهلهم؛ لأن هناك أمرين كل منهما عبادة وطاعة، فكما أنه لا يجوز الاستمرار في الطعام والشراب بالنسبة للمتسحر حتى دخول الفجر الصادق، كذلك لا يجوز للإنسان أن يصلي قبل الفجر الصادق، فكل منهما عبادة.
فالخلاصة: هذا الأذان الثاني يجب إضافة التثبت من كونه يؤذن في الوقت، وعندنا شكوك كثيرة جداً بالنسبة للأمور التي ذكرناها، ومع ذلك فهناك فسحة ورخصة صريحة في الحديث الصحيح، فلو افترضنا أن هذا الأذان الثاني يؤذنه المؤذنون في الوقت الصحيح -في الفجر الصادق- تأتي هذه الرخصة الكريمة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) (إذا سمع أحدكم النداء) أي: النداء الثاني، أما الأول فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، أما الأذان الثاني فتأخذ حاجتك: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يأخذ حاجته منه) ، ففي هذا رخصة أن يستمر الصائم في الطعام حتى يأخذ حاجته، لكن لا يأتِ على التسلية، لا يجلس -مثلاً- يتفكه، أو (يفصفص) بحجة: (حتى يقضي حاجته منه) فإن هذا ليس مما له فيه حاجة، إنما هذا من باب التسلية، والحديث صريح: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده -الذي يأكل أو يشرب منه- فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) .