وهذا الحديث في الواقع وإن كان جاء خاصاً في النهي عن التقدم وعن وصل أيام من شهر شعبان بشهر رمضان، إلا أن فيه تلميحاً قوياً إلى أنه لا يجوز الزيادة على العبادة المفروضة.
هذا حكم صريح في النهي عن أن يتقدم الرجل بصوم يوم أو يومين بين يدي رمضان.
ويدخل في هذا -بلا شك- صوم يوم الشك كما سيأتي في الحديث التالي، فهذا النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين يؤكد وجوب المحافظة على العبادة كما شُرعت بدون زيادة أو نقص، فالذي فرضه الله عز وجل على عباده المؤمنين إنما هو صوم شهر رمضان، قد يكون تارة ثلاثين يوماً، وقد يكون تارة تسعة وعشرين يوماً، فلا يجوز أن يتقدم بصوم يوم أو يومين؛ خشية أن يصبح رمضان أكثر من ثلاثين يوماً مع مضي الزمن، ومضي العهد بالمسلمين عن العلم بالكتاب والسنة.
فأقول: في الوقت الذي ينهى هذا الحديث نهياً صريحاً عن التقدم بين يدي رمضان بصوم يوم أو يومين، كذلك كل عبادة لا يجوز أن يتقدمها، أو أن يوصل بها ما ليس منها من العبادات والطاعات الأخرى، فلا بد من الفصل الذي يحقق استقلال هذا الصوم المفروض ألا وهو صوم رمضان، لابد من الفصل بإفطار قبله وبعده؛ ليتحقق أن هذا الفرض هو فرض رمضان فقط لا يتقدمه شيء ولا يوصل به شيء.
ومن هذا القبيل تماماً ما جاء في صحيح مسلم من نهي الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصل فرض الجمعة بالسنة التي بعدها، فأمر بالفصل بين الفرض والتطوع؛ إما بالكلام وإما بالخروج والانصراف، نهى الرسول عليه السلام عن وصل الفرض بالسنة التي بعده، هذا أيضاً من باب سد الذريعة؛ أن يوصل بالفرض ما ليس منه، فيوم الجمعة بصورة خاصة وكل الفرائض بصورة عامة، ينبغي بعد السلام الفصل فيها إما بخروج وتغيير المكان، وإما أن تتكلم مع صاحبك بكلام عادي، تحقيقاً للفصل، علماً أن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام بالنسبة للصلاة: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فيحل لك ما كان حراماً من قبل في الصلاة بمجرد قولك: السلام عليكم ورحمة الله في التسليمة الأولى، ولكن من باب التأكيد لهذا الفصل بأكثر من السلام، ومن باب سد الذريعة أن يوصل بهذه الفريضة -وهي فريضة الصلاة- شيء ليس منها، أكد الرسول عليه السلام على المصلي أن يتكلم أو أن ينصرف يميناً أو يساراً، أماماً أو خلفاً، كل هذا يؤكد هذا الأمر الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، ألا يتقدم بين يدي رمضان بصوم يوم أو يومين؛ ليبقى شهر رمضان بدون زيادة عليه، كما أنه لا يجوز النقص منه، والزائد -كما يقول العامة- أخو الناقص.