Q جاء في الحديث: أن الرجل كان يأتي الرسول عليه السلام فيسأله مالاً فيعطيه، فإذا انطلق السائل يتأبط المال قال عليه الصلاة والسلام لمن حوله: (إنه خرج -أو انطلق- يتأبطها ناراً) لماذا؟
صلى الله عليه وسلم لأنه يسأل وليس له حق السؤال، ومعنى يسأل يشحذ، يأتي يطلب من الرسول عليه الصلاة والسلام مالاً وهو قوي، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: (لا صدقة لغني ولا لذي مرة قوي) لغني واضح، ولذي مرة، أي: قوة، قوي، أي: قوي الخلق، ليس بناقص ولا ضرير ولا مقطوع اليد أو الرجل، فهذا لا صدقة له، ولا يجوز له أن يسأل ولا أن يُتصدق، عليه إلا إذا كان فقيراً أو إذا كان عاجزاً، فحينما كان يأتيه الرجل وهو من هذا النوع، إما أن يكون غنياً أو ذا مرة قوي، ويسأل الرسول عليه الصلاة والسلام فيتحرج عليه الصلاة والسلام من ألا يعطيه، فما يسعه عليه الصلاة والسلام إلا أن يعطيه، ولكن مع ذلك يبين أن هذا السائل الذي أخذ ما أعطاه الرسول إنما يتأبط ناراً، لماذا؟ لأنه سأل ما ليس له حق فيه، فيقول الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام: إذاً: لِمَ تعطيه ما دمت ترى يا رسول الله أن هذا لا يستحق السؤال وبالتالي لا يستحق الإعطاء؟ فلماذا تعطيه؟ في جواب الرسول عليه الصلاة والسلام الآتي بيان أنه عليه الصلاة والسلام له منزلة ومقام يسوغ له من الأحكام ما يختص بها دون سائر الأنام، يقول الرسول عليه السلام: (وماذا أفعل؟ إنهم يسألونني ويكره الله لي البخل) ومعنى هذا: أن مقام النبوة يجب أن تكون بعيدة من أن يقال فيها ما لا يليق بها، ومن ذلك البخل، فلو أن الرسول عليه الصلاة والسلام كلما جاءه سائل من الذين لا يجوز لهم السؤال امتنع من إعطائهم، لنشر هؤلاء بين الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام شحيح وبخيل، بدليل أن فلاناً جاءه وسأله فلم يعطه، وفلان جاءه وسأله فلم يعطه، ومثل هذه الإشاعة التي لها ظواهر قد يقتنع بها بعض الناس، حيث امتنع الرسول من الإعطاء مما لا يناسب مقام النبوة والرسالة؛ ولذلك فكان يترجح عند الرسول عليه الصلاة والسلام ولو كان غنياً، أن يعطي السائل ولو كان مستطيعاً للكسب، حتى لا يقال: إنه شحيح بخيل.
ومن هنا نستطيع أن نقول: إن غير الرسول عليه الصلاة والسلام ليس له هذا الحكم، وأعني بهذا: أن المسلم أن أحدنا إذا سأله سائل، جاءه متسول وقال له: أعطني من مال الله، فإذا كان المسئول يعلم أن هذا السائل لا يحق له السؤال، وأنه اتخذ السؤال والشحاتة مهنة فلا ينبغي أن يعطيه؛ لأنه في بإعطائه إياه يساعده على ضلاله، يساعده على اتخاذه السؤال مهنة، والمساعدة على الباطل باطل، والمساعدة على الإثم إثم، كما قال تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] أما الرسول عليه الصلاة والسلام فله ذلك الحكم خصوصية له من دون الناس، أما نحن فلا يؤثر فينا، ولا تتأخر دعوة الإسلام إذا أشاع الناس بالباطل أن فلاناً بخيل، أما الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو الداعي الأول للإسلام، فقد تتأخر الدعوة بسبب مثل هذه الإشاعة التي تكون قائمة على امتناع الرسول عليه الصلاة والسلام من إعطاء من لا يستحق العطاء.
فهذا مثال يساعدنا على فهم هذا العطف في هذا الحديث، ورب متخوض في مال الله ورسوله، فهذا المال الذي أعطاه الرسول هو ماله، ومع ذلك فقد تصرف هذا السائل في هذا المال تصرفاً غير مشروع؛ لأنه أخذه بغير حقه.