الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
Q فضيلة الشيخ! عندنا كثير من الإخوة عندهم تركيز شديد على الحاكمية، والتهوين من شأن الشرك الأكبر شرك القبور والأضرحة، ويسمونه شركاً ساذجاً بدائياً، وأخذوا هذا عن دعاتهم، فيقولون: (لو كان الأنبياء أو المصلحون إلى يوم القيامة يحاربون من ألوان الشرك المناقض لكلمة (لا إله إلا الله) ما يتعلق بالأوضاع الشعبية فقط لما تعرض لهم أحد، ولما وقف في وجوههم إلا القليل) ، ما هو تعليقكم يا شيخ؟
صلى الله عليه وسلم تعليقي هو: تعرض الناس للداعية ليس هدفاً وليس غرضاً، وإنما القصد هو تبليغ الدعوة إلى الناس، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإن لم يستجيبوا فتلك سنن الذين من قبلهم.
فكلمتهم هذه تشعر السامع لها أن الدين يأمر بأن يتكلف الإنسان أن يكون مصادماً من الآخرين ومعارضاً، فأنت اليوم تدعو -مثلاً- إذا دعوت إلى التوحيد ما أحد يخالفك، أما إذا اشتغلت بالسياسة فسيخالفونك ويعادونك.
إلخ.
هذا أكبر دليل على أن كثيراً من أفراد الإخوان المسلمون يهرفون بما لا يعرفون، ويتلفظون بما لا يعلمون، لقد سئلت أكثر من مرة أن زعيم الإخوان المسلمين في الجزائر يقول: لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام اليوم في هذا العصر للبس (الجاكت) و (البنطلون) وعقد (الكرفته) .
الإنسان إذا تكلم بجهل فلا يقف أمام جهله شيء، وهذا الكلام من هذا القبيل.
الخلاصة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ، هذا هو المقصود، و: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] ، فالأنبياء كلهم بدءوا بدعوة التوحيد، وأنا أقول: نوح عليه السلام الذي لبث في قومه بنص القرآن ألف سنة إلا خمسين عاماً، ماذا عمل في هذه الألف سنة؟ هؤلاء لو كانوا يعرفون ما يتكلمون به لكفروا وخرجوا عن الملة؛ لأنهم يخطئون الأنبياء بعامة، ونوح عليه السلام بخاصة؛ لأنه تميز على سائر الأنبياء بأن بارك الله عز وجل في عمره فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.
نحن نعلم أن الشرائع التي تقدمت شريعة الإسلام لم يكن فيها هذا الفقه الواسع الذي يشمل شئون الحياة كلها، كان فقهاً مبسطاً، ولذلك نوح عليه السلام عندما أقام هذا العمر الطويل المديد المبارك، إنما كان همه أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت، وهذا الكلام ينافي ذاك الكلام، ولذلك فهم جهلة بالمرة، وهم الآن يسلكون سنن الإخوان الذين سيمضي عليهم قرن من الزمان وهم لم يقدموا للإسلام شيئاً، سوى الهتافات والصياحات، وهم على النظام العسكري (مكانك راوح) لا يتقدمون إطلاقاً.
لذلك لا يبالى بكلام هؤلاء، وأنا أتعجب من بعض إخواننا طلاب العلم، ما يكادون يسمعون ضلالة من أي جاهل من أي إنسان إلا ويقول لك: ما رأيك في كذا؟ السائل: يا شيخ! المشكلة أن هؤلاء يتبعهم كثير جداً يقولون مثل هذا الكلام، كهذا الجزائري الذي قال على الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه لو كان في عصرنا هذا لكان كذا وكذا، فهذا الذي قال هذا الكلام داعية معروف جداً ويتبعه كثير جداً، حتى بعض أتباعه إذا قلت لهم؛ فلان أخطأ، هو مستعد أن تقول له: عمر أخطأ الشافعي أخطأ أما فلان -فيقيم عليك الدنيا ولا يقعدها!! الشيخ: ماذا نفعل لهؤلاء؟ السائل: ادع لهم بالهداية.
الشيخ: ما علينا إلا أن ندعو بالتي هي أحسن، والعلم نور، هؤلاء يقعون في هذه الضلالات بسبب جهلهم بالإسلام، ولذلك ما علينا إلا أن نشفق عليهم، ونعتبرهم مرضى، ونعالجهم بما نستطيع من الحكمة والموعظة الحسنة.